(( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ))..!!
تتقلب صفحات الحياة وتتعدد الأحداث التي تمر على الإنسان ، فينال منها ما
ينال و « هل تجيء الأيام بما نحب ؟
ما أكثر العواصف التي تهبُّ علينا ، وتملأ
آفاقنا بالغيوم المرعدة ، وكم يواجَه المرء بما يكره ، ويُحرم ما يشتهي » [1] .
ومن تلك الأحداث والعواصف التي تواجه الإنسان « المرض » فلا يكاد يخلو إنسان من
عارض يمر به ، فيصاب بمرض أو يوجد عنده من يمر بمرض من الأمراض التي
لا يملك داءها ودواءها إلا الله - سبحانه وتعالى - : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ
( الشعراء : 80 ) .
ومن منا في هذه الحياة لم يصب بغالٍ أو حبيب ؟
ومن منا في هذه الحياة لم
يتجرع آلام من يراهم أمامه يتقلبون تحت جمرة المرض ؟ ولكن السؤال : « هل
أدينا أنا وأنت حقاً من حقوق هذا المريض ؟ » منا من عرف واجبه فأدَّاه ، ومنا
هداهم الله من لا يهتم فيترك مرضاه أسرى الهموم والغموم والأحزان . وكم من
المرضى من عرف حقيقة من هم حوله فبكى بكاءاً مراً لضياع عمره معهم . وقد
تطول ساعة المحنة على ذلك المريض ، وقد تشتد ويزداد الظلام ، وتتلبد السماء
بالغيوم لتمتد إلى ساعة يعلن فيها المريض عن انتهاء رحلته من الحياة وقد ودعها ،
وهناك من فرَّط وأهمل في حق هذا المريض . ثم ماذا ؟ يأتي ليسكب الدموع الحارة
أسفاً وحزناً على تقصيره في حق ذلك المريض ، وقد كان لديه متسع من الوقت ،
ولكنه كان يسوِّف في حق مريضه ، كان يسوِّف حتى في الكلمة الطيبة والابتسامة
الصادقة والدعاء له في ظاهر الغيب .
وكلماتي لأولئك الذين لديهم متسع من الوقت ليعيشوا مع المريض ولو لدقائق
معدودة سواء كانوا أقرباء أم أطباء أم إخوة في الله ، ثم كلماتي لذلك المريض شافاه
الله وعافاه .
إن هذه الكلمات لم تجئ لتدغدع المشاعر ، أو لتعزف على أوتار حساسة ، أو
لتسطر كلمات لا تتصل بالواقع ولا تعايشه « لا والله » نحن مسلمون ؛ والمسلم
يهتم بأمر المسلمين وبكل ما يكدر صفو حياتهم أو يسعدهم ، يسعى بقدر ما يستطيع
على أن يساعدهم ويمد يد العون لهم « من حق أخيك عليك أن تكره مضرته وأن
تبادر إلى دفعها ، فإن مسَّهُ ما يتأذى به شاركته الألم ، وأحسست معه بالحزن . أما
أن تكون ميت العاطفة قليل الاكتراث ؛ لأن المصيبة وقعت بعيدة عنك فالأمر لا
يعنيك ، فهذا تصرف لئيم ، وهو مبتوت الصلة بمشاعر الأخوة الغامرة التي تخرج
بين نفوس المسلمين ، فتجعل الرجل يتأوه للألم ينزل بأخيه مصداقا لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى »[2] ، والتألم الحق هو
الذي يدفعك دفعاً إلى كشف ضوائق إخوانك ، فلا تهدأ حتى تزول غمتها ، وتُدبر
ظلمتها ، فإذا نجحت في ذلك استنار وجهك ، واستراح ضميرك »
فعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني »
، ولقد عاد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصحابه ؛ فعن ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول :
« مرضت مرضاً ، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأبو بكر وهما
ماشيان »
قال ابن القيم - رحمه الله
تعالى - في زاد المعاد : « كان صلى الله عليه وسلم يعود من مرض من
أصحابه ... وكان يدنو من المريض ، ويجلس عند رأسه ، ويسأله عن حاله فيقول :
كيف تجدك ؟ وذُكِرَ : أنه كان يسأل المريض عما يشتهيه ، فيقول : « هل تشتهي
شيئاً ؟ » فإذا اشتهى شيئاً وعلم أنه لا يضره أمر به ، و كان يمسح بيده اليمنى
على المريض ، ويقول : « اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشفه أنت الشافي ،
لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً » ، وكان يدعو للمريض ثلاثاً كما قال
لسعد : « اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً ، اللهم اشف سعداً » وكان إذا دخل
على المريض يقول له : « لا بأس طهور إن شاء الله » ، وربما كان يقول :
« كفارة وطهور » . وكان يرقي من به قرحة أو جرح ، أو شكوى ، فيضع
سبابته بالأرض ثم يرفعها ويقول : « بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى
سقيمنا ، بإذن ربنا »
اللهم أشفي جميع مرضى المسلمين يارب العالمين