تفريج الكرب: بركة الخير تعود أضعافًا
في بلدة صغيرة تقع بين الجبال، عاش رجل يُدعى سالم، معروف بين أهل بلدته بكرمه وحبّه لمساعدة الآخرين. لم يكن سالم من الأثرياء، لكنه كان دائمًا يضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاته، مؤمنًا أن من يفرّج همّ الناس يفرّج الله عنه كل همومه.
كانت حياة سالم بسيطة؛ يملك دكانًا صغيرًا لبيع الحبوب والبقوليات. ورغم أن دخله كان محدودًا، إلا أنه لم يكن يتردد في تقديم المساعدة لأي شخص يطرق بابه. كان شعاره في الحياة: "افعل الخير واحتسب الأجر من الله."
بداية الأزمة
في أحد الأيام، جاء إلى سالم رجل يُدعى إبراهيم. كان إبراهيم من سكان البلدة، لكنه عاش ظروفًا صعبة بعدما تعرضت مزرعته لعاصفة دمرت كل محصوله. دخل إبراهيم إلى الدكان، وعيناه تفيض بالدموع. قال بصوت مختنق:
"يا سالم، جئت إليك مضطرًا. حالي أصبح سيئًا جدًا، ولم أستطع توفير الطعام لعائلتي منذ ثلاثة أيام. أطفالي يبكون جوعًا، ولا أدري ماذا أفعل."
شعر سالم بغصة في قلبه وهو يستمع إلى كلمات إبراهيم. نظر إلى الدكان، ولم يكن فيه سوى كمية قليلة من الحبوب تكفي بالكاد لتغطية احتياجات سالم نفسه لبضعة أيام. لكنه قرر أن يُعطي إبراهيم كل ما لديه. حمل كيسًا كبيرًا من الحبوب وناوله لإبراهيم، قائلاً:
"خذ هذا يا أخي، لا تفكر في سداده الآن. الله هو الرزاق، وسيعوّضنا بما هو خير."
الامتحان الحقيقي
عاد سالم إلى منزله، وقد خيّم عليه القلق. لم يعد لديه ما يبيعه في دكانه، ولم يكن يملك مالاً يكفي لشراء بضاعة جديدة. جلس يفكر كيف سيدبر أمره، لكنه في قرارة نفسه كان مطمئنًا أن الله لن يتركه.
في اليوم التالي، وبينما كان سالم يفتح دكانه، جاءه رجل غريب يركب حصانًا، تبدو عليه ملامح السفر الطويل. قال الرجل:
"السلام عليكم، أبحث عن سالم بن عبد الله. هل أنت هو؟"
أجاب سالم باستغراب: "نعم، أنا سالم. كيف أساعدك؟"
قال الرجل: "أنا رسول من رجل ثري يعيش في مدينة بعيدة. سمعت أنك شخص طيب القلب، ودائم المساعدة للناس. سيدي يرغب في دعم تجارتك، وقد أوصاني أن أسلّمك هذا الصندوق."
فتح سالم الصندوق، فوجد بداخله ذهبًا ومالاً يكفي لإعادة تشغيل دكانه وتوسيع تجارته. لم يصدق عينيه، وسأل الرجل: "من هو هذا السيد؟ ولماذا يريد مساعدتي؟"
قال الرجل: "سيدي يؤمن أن الخير يصل دائمًا لمن يستحقه. وقد سمع عن كرمك وطيبتك من مسافر مرّ بقريتك."
مفاجآت لا تنتهي
عاد سالم إلى دكانه سعيدًا، واشترى كميات كبيرة من البضائع. بدأ عمله يزدهر، وأصبح الدكان يجذب المزيد من الزبائن.
بعد مرور أسابيع قليلة، جاء إبراهيم إلى سالم، لكنه لم يكن وحيدًا هذه المرة. كان يحمل كيسًا كبيرًا من الحبوب وبعض النقود. قال إبراهيم، ووجهه يفيض امتنانًا:
"يا سالم، لا أعرف كيف أشكرك. مساعدتك لي أعادت الأمل لعائلتي. تمكنت من بيع بعض المحاصيل البسيطة التي أنقذتها من المزرعة، وجئت لأسدد ديني."
ابتسم سالم، وقال: "الدَّين ليس مالاً، بل هو دعاءك لي. الله منَّ عليَّ بفضل مساعدتك."
النهاية: البركة تتضاعف
لم يكن ما حدث مع سالم سوى البداية. ازدهرت تجارته، وأصبح من أشهر التجار في البلدة. لكنه لم يتغير قط؛ ظل على كرمه ومحبته للخير. بل زاد عطاؤه، وأصبح يساعد الفقراء بشكل منتظم.
في يوم من الأيام، جلس سالم يتأمل ما حدث معه، فقال لنفسه:
"الله وعدنا بأن من يفرّج عن الناس كربهم، يفرّج الله عنه كربًا أعظم. وما مررت به أكبر دليل على أن الخير يعود أضعافًا لمن يزرعه."
وهكذا، ظل سالم مثالاً يُحتذى به، ليس فقط في بلدته، بل في القرى المجاورة، حيث صار يُعرف بأنه "رجل البركة
بقلم محمد الخضيري الجميلي