العنزتين والسربوت
في إحدى القرى الهادئة، عاشت امرأة تدعى "زهرة"، أرملة تجاوزت الأربعين من عمرها، جميلة الملامح وطيبة القلب. كانت تعيل أبناءها الأربعة بمشقة كبيرة، فقد ترك لها زوجها الراحل مزرعة صغيرة تضم عنزتين كانت تعتبرهما كنزها الوحيد. تعيش ببركة حليب العنزتين وتبيع ما يزيد عن حاجتها لسد مصاريف المنزل.
ذات يوم، ظهر رجل يدعى "سعدون"، رجل في منتصف العمر، معروف بكلامه المعسول لكنه دون عمل يذكر. جاء إلى زهرة، وبعد حديث طويل عن الوحدة والحاجة إلى رجل يقف معها ويساندها في تربية أبنائها، قال لها:
"زهرة، آنه زلمة كادح، ما عندي شي دنيوي، بس أگلك كلّب ذهب، وأكون السند إلچ ولأولادچ. إذا تقبلين، أكون الراعي إلچ ولهم".
زهرة، بعد تفكير عميق واستشارة أبنائها، وجدت نفسها مضطرة للموافقة، عسى أن يكون سعدون رجلًا نافعًا في حياتها وحياة أولادها.
مرت الأيام الأولى بسلام، لكن سرعان ما ظهر الوجه الحقيقي لسعدون. بدأ بالضغط على زهرة لبيع العنزتين بحجة أن المال سيحل مشكلاتهم، ومع إصراره وافقت زهرة، وباعت العنزتين.
صرف سعدون المال على أمور غير مفيدة، ولم يلبث أن بدأ بمطالبة زهرة بتزويج ابنتها الكبرى التي كانت في السابعة عشرة من عمرها، بحجة أن المهر سيساعدهم في تحسين حياتهم.
البنت الكبرى، شجاعة وحادة الذكاء، رفضت الفكرة رفضًا قاطعًا، وقالت لوالدتها:
"أمي، هذا الرجل جاء لينهش فينا، لا يساعدنا ولا يريد لنا الخير. بيع العنزتين كان بداية الخراب".
حين اكتشف سعدون أن الفتاة الكبرى تقف في طريقه، بدأ يثير المشاكل في المنزل، يحرض الأم على أبنائها ويزرع الفتنة بينهم.
وفي أحد الأيام، حين حاول سعدون فرض رأيه على العائلة مجددًا، وقفت الفتاة أمامه بشجاعة وقالت له بصوت يملؤه الغضب:
"يا سعدون، أنت لا راعٍ ولا سند، أنت سربوت بلا نخوة. استغلّيتنا، سرقت أماننا، وبعت أعز ما نملك. إن كنت رجلًا حقًا، فاخرج من هذا البيت ولا تعد أبدًا!"
لم يكن لسعدون ما يرد به، فخرج من المنزل مطأطئ الرأس، تاركًا زهرة وأبناءها ليعيدوا بناء حياتهم من جديد. ومنذ ذلك اليوم، تعلمت زهرة درسًا لا يُنسى:
"السربوت ما يزرع أمان، إنما يقتلع جذور الطيبة".
بقلم محمد الخضيري الجميلي