في عام 1982، وفي شتاء شديد البرودة، انطلق عبدالله وصديقه محمد في مغامرة صيد إلى جبال مكحول، تلك المنطقة التي تدهش الزائر بجمال طبيعتها القاسية. كانا يعتمدان على سيارتهما تويوتا بيك أب بيضاء يميل لونها إلى الأخضر، التي رغم قِدمها إلا أنها أثبتت جدارتها في مثل هذه الرحلات.
مع بزوغ الفجر، كانت الجبال مغلفة بالضباب، والصمت يلف المكان إلا من صوت محرك السيارة الذي يُكسر بين حين وآخر بأحاديثهما وضحكاتهما. الطريق الجبلي كان وعراً ومنحدراً، لكن عبدالله، الذي عُرف بمهارته العالية في القيادة، كان يسيطر على السيارة بحذر.
بعد ساعات من القيادة والمناورة بين الصخور والمنعطفات الحادة، وصلا إلى مكان مناسب للصيد. أوقفا السيارة تحت شجرة كبيرة، وجلسا لتناول بعض الطعام قبل أن ينطلقا في مهمتهما.
قال محمد مازحاً:
"هذه السيارة تبدو كأنها صنعت خصيصًا لهذه الرحلة. لكن لا تأمن غدرها!"
ابتسم عبدالله وردّ:
"لا تقلق، أنا أعرف كل صوت فيها. حتى لو حدث شيء، لدينا الجبال واليدين للعمل."
بعد الانتهاء من الصيد وقضاء وقت ممتع، قررا العودة قبل حلول الظلام. ولكن أثناء نزولهما في أحد المنحدرات الحادة، حدث ما كان يخشاه محمد—تعطلت فرامل السيارة!
نظر محمد إلى عبدالله بقلق وقال:
"ألم أقل لك ألا تأمن غدرها؟ ماذا سنفعل الآن؟"
بهدوء وثقة، أجاب عبدالله وهو يثبت يديه على المقود:
"لا تقلق. لدينا الكير، وهذه السيارة تعرفني جيدًا!"
بدأ عبدالله باستخدام الكير (جهاز التبديل) لتخفيف سرعة السيارة. كان يبدل الغيارات بحذر، مستخدمًا مقاومة المحرك للسيطرة على النزول. كل تبديل كان يُحدث اهتزازًا في السيارة، لكن عبدالله لم يفقد أعصابه.
مع استمرار النزول، قال محمد محاولًا تخفيف التوتر:
"إذا نجونا من هذا المأزق، سأصبغ هذه السيارة بالأبيض النقي. كأنها خرجت من المصنع!"
ضحك عبدالله وأجاب:
"لن أغير لونها. هذا اللون الأخضر الباهت شاهد على مغامراتنا."
بعد دقائق من التوتر والمناورة، وصلا إلى منطقة مستوية بسلام. توقف عبدالله وأطفأ المحرك، ثم التفت إلى محمد قائلاً بابتسامة واثقة:
"قلت لك، لا شيء يهزمنا ما دمت خلف المقود."
ضحك محمد وقال:
"أنت لا تقود فقط. أنت تعطي دروسًا في المغامرة!"
كانت تلك الرحلة درساً في الشجاعة والمهارة، وأصبحت السيارة ذات اللون الأبيض المائل إلى الأخضر رمزًا لمغامرات لا تُنسى في جبال مكحول.
بقلم محمد الخضيري الجميلي