التدريب المستحدث واثره في القوات المسلحة بقلم اللواء الركن محمد الخضيري الجميلي

التدريب المستحدث وأثره في بناء القوات المسلحة الحديثة

⸻

1. المقدمة

يمثل التدريب المستحدث الركيزة الأساسية لتطوير قدرات القوات المسلحة ومواكبتها لمتغيرات البيئة العملياتية المعاصرة. فالمعارك الحديثة لم تعد تعتمد على الشجاعة الفردية فحسب، بل على الكفاءة التقنية، وسرعة الاستجابة، والقدرة على استخدام الوسائل الذكية في إدارة القتال. ومن هنا جاءت أهمية اعتماد منظومات تدريب مستحدثة ترتكز على التكنولوجيا، وتوظف الذكاء الاصطناعي، والمحاكاة القتالية، والتدريب التفاعلي لرفع جاهزية المقاتل والقائد معًا.

⸻

2. مفهوم التدريب المستحدث

أ. التعريف:
هو منظومة تدريبية حديثة تعتمد على استخدام التقنيات المتطورة وطرق التعليم النشط لتطوير القدرات الذهنية والبدنية والقيادية للمقاتلين، وفق متطلبات الحرب الحديثة.

ب. الهدف:
إعداد جندي رقمي قادر على العمل ضمن بيئة عملياتية متغيرة، وفهم الأنظمة الحديثة في القيادة والسيطرة، والتفاعل مع أدوات الحرب الإلكترونية والمعلوماتية.

⸻

3. مرتكزات التدريب المستحدث

أ. التحول من التدريب التقليدي إلى التدريب الذكي
يتجاوز التدريب المستحدث فكرة التكرار الحركي إلى بناء التفكير التحليلي، وإدراك العلاقة بين التقنية والموقف الميداني.

ب. استخدام أنظمة المحاكاة القتالية
وهي بيئات افتراضية تحاكي الواقع الميداني بدقة، تسمح للضباط والأفراد بخوض تمارين حرب افتراضية دون كلفة مادية أو خسائر بشرية.

ج. الدمج بين التعليم العسكري والذكاء الاصطناعي
من خلال تحليل أداء المتدربين، وتقديم تغذية راجعة فورية تساعد في تحسين الأداء واتخاذ القرار تحت الضغط.

د. التركيز على التفكير العملياتي والتكتيكي
من خلال تمارين المواقف (Situational Exercises) وتمارين مراكز القيادة (CPX) التي تُنمّي مهارة التخطيط والقيادة وإدارة الموارد.

⸻

4. أهداف التدريب المستحدث في القوات المسلحة

أولاً. رفع الكفاءة القتالية للأفراد والتشكيلات من خلال التدريب الواقعي والمستمر.
ثانيًا. بناء قادة ميدانيين يمتلكون وعيًا عملياتيًا يمكنهم من قراءة ساحة المعركة واتخاذ القرار الفوري.
ثالثًا. تحقيق التكامل بين الصنوف عبر تدريب مشترك يحاكي ظروف القتال المتعدد الأبعاد.
رابعًا. تطوير منظومة القيادة والسيطرة الحديثة (C4ISR) وربطها بالتدريب العملي.
خامسًا. تهيئة القوات لمواجهة التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب، الحرب الإلكترونية، والطائرات المسيرة.

⸻

5. خصائص التدريب المستحدث

أ. المرونة: قابل للتحديث المستمر وفق تطور العدو والتقنية.
ب. التفاعلية: مشاركة المتدرب في اتخاذ القرار وليس التلقين.
ج. الواقعية: نقل ظروف الميدان إلى بيئة التدريب الافتراضية أو الميدانية.
د. القياس والتحليل: استخدام أنظمة تقييم رقمية لأداء المتدربين.

⸻

6. أدوات التدريب المستحدث

أ. المحاكيات الإلكترونية (Simulators) للطائرات، الدبابات، والمدرعات.
ب. أنظمة الواقع الافتراضي والمعزز (VR/AR) لتدريب القتال في بيئات حضرية أو جبلية.
ج. المختبرات التكتيكية الإلكترونية لتحليل المواقف العملياتية.
د. المنصات التعليمية الرقمية لتدريب الضباط على مفاهيم القيادة والسيطرة.
هـ. أنظمة التحليل اللحظي للأداء عبر الذكاء الاصطناعي.

⸻

7. أهمية التدريب المستحدث في بناء القوات المسلحة

أ. رفع مستوى الجاهزية القتالية: إذ يُكسب الجندي خبرات واقعية دون تكاليف ميدانية.
ب. مواكبة تطور العدو: فالتدريب الذكي هو الوسيلة الوحيدة لمجاراة خصم يستخدم التكنولوجيا.
ج. تحقيق التفوق المعنوي والمعلوماتي: من خلال إدراك العدو، والسيطرة على فضاء المعركة المعلوماتي.
د. تعزيز روح الفريق والقيادة الجماعية: التدريب المشترك يبني الثقة والتكامل بين الصنوف.
هـ. اقتصادية الوقت والجهد: باستخدام المحاكاة الرقمية بدلاً من التمارين المكلفة ماديًا ولوجستيًا.

⸻

8. متطلبات نجاح التدريب المستحدث

أ. إرادة قيادية عليا تتبنى التحول التدريبي.
ب. إعداد مدربين محترفين مؤهلين على أحدث التقنيات.
ج. تخصيص موارد مالية وتقنية كافية.
د. تعاون أكاديمي – عسكري مع مراكز بحث وتطوير.
هـ. تقييم دوري وتحديث للمناهج التدريبية.

⸻

9. التحديات التي تواجه تطبيق التدريب المستحدث

أ. ضعف البنية التحتية التقنية في بعض المؤسسات العسكرية.
ب. مقاومة التغيير من بعض القيادات التقليدية.
ج. نقص الخبرات التقنية المتخصصة.
د. محدودية الموارد المالية لتجهيز الأنظمة المتقدمة.

⸻

10. التوصيات

أ. إنشاء مراكز تدريب ذكية في كل قيادة صنف.
ب. إدخال مادة “الذكاء الاصطناعي في التدريب العسكري” في مناهج الكليات العسكرية.
ج. تطوير شراكات مع الجامعات ومراكز البحث العسكري.
د. اعتماد التدريب الرقمي كجزء من تقييم الضابط أو القائد.
هـ. تحويل التدريب إلى ثقافة مؤسسية وليس واجبًا وقتيًا.

⸻

11. الخاتمة

إن التدريب المستحدث لم يعد ترفًا عسكريًا بل ضرورة وجودية لأي جيش يسعى للبقاء فاعلًا في ميادين الحرب الحديثة. فالقائد الذي يتقن إدارة التكنولوجيا، والجندي الذي يتعامل مع المعلومة بسرعة ووعي، هما من يصنعان النصر في المستقبل. ومن هنا، فإن تبني التدريب المستحدث هو استثمار في الأمن الوطني، وضمان لاستمرارية القوات المسلحة كقوة رادعة، محترفة، وواعية لعصرها .