راتب المرأة بين الشراكة والاستغلال بقلم محمد الخضيري الجميلي

راتب المرأة بين الشراكة والاستغلال: هل المال يبني البيت أم يهدمه؟”

أ. التمهيد:
في مجتمعاتنا العربية المعاصرة، خرجت المرأة إلى ميادين العمل، وأثبتت كفاءة واضحة في مجالات متعددة. وصار لها مصدر دخل خاص، هو في الأصل حق شرعي ومدني لا خلاف فيه.
لكن مع هذا التحول ظهرت تساؤلات عدة، منها:
• هل راتب المرأة يعزز كيان الأسرة أم يضعفها؟
• هل المرأة إذا أنفقت أصبحت كالرجل واسترجلت؟
• وهل من العدل أن يُنظر إلى دخل المرأة كوسيلة لسد عجز الزوج أو تقصيره؟
• وما أثر طمع بعض الأزواج في راتب زوجاتهم ومحاولات استغلالهن؟

⸻

2. راتب المرأة: رؤية متزنة

أ. المال أداة لا هوية له:
الراتب لا يُمدح ولا يُذم في ذاته، إنما تتحدد قيمته بحسب كيفية توجيهه. فقد يكون وسيلة لبناء الأسرة أو لهدمها.

أولًا: في البيت المتماسك، يكون راتب المرأة معينًا للأسرة، يسد حاجات، ويفتح آفاقًا، ويؤمن مستقبل الأبناء.
ثانيًا: أما في البيت الذي تضعف فيه القيم، يتحول المال إلى محور نزاع، ويتبدل التقدير إلى طمع، وتُستغل المرأة بحجة الواجب.

⸻

3. هل المرأة إذا أنفقت على بيتها قد استرجلت؟

أ. تفكيك المفهوم المغلوط:
الأنوثة لا تلغي القدرة على العطاء، والرجولة لا تنحصر في الإنفاق.
قال تعالى:

“وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم” (آل عمران: 92).

أولًا: الإنفاق طوعًا من المرأة لا ينتقص من أنوثتها بل يدل على إحساسها العالي بالمسؤولية.
ثانيًا: الاسترجال لا يكمن في صرف المال، بل في الغِلظة، ورفع الصوت، ومحاولة مصادرة دور الآخر.

⸻

4. هل طمع الرجل في راتب زوجته مبرر؟

أ. التساؤل المشروع:
في بعض البيوت، يُلاحظ أن الزوج يُطالب زوجته بمشاركة راتبها، ليس من باب التعاون بل من باب الاعتماد التام أو حتى التسلّط، فهل هذا سلوك صحيح؟

أولًا: حين يصبح راتب الزوجة “حقًا مكتسبًا” عند الزوج دون اتفاق مسبق، أو يُطالبها به كأنها ملزمة، تتحول العلاقة من شراكة إلى استغلال.
ثانيًا: إن اعتماد الزوج على دخل زوجته دون عذر مشروع أو طارئ هو تفريط في القوامة وتبديل للأدوار.
ثالثًا: الإسلام حفظ للمرأة ذمتها المالية، فقال النبي ﷺ:

“ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه”.

⸻

5. من هو الرجل الحقيقي؟

أ. الفهم الصحيح للقوامة:
القوامة ليست تحكمًا، بل مسؤولية، قائمة على النفقة والرعاية والحكمة.
الرجل الذي يطمع في مال زوجته دون استئذان أو اتفاق شفاف، يُخلّ بأساس القوامة ويُضعف الثقة.

أولًا: الزوج القوي هو من يستغني لا من يستجدي.
ثانيًا: والشريك الصادق هو من يُقدّر مبادرة الزوجة لا من يُحوّلها إلى واجب مفروض.

⸻

6. هل راتب المرأة سبب في خراب البيوت؟

أ. الأمر متعلق بوعي الأطراف:
ليس المال هو الذي يخرب البيوت، بل الأشخاص الذين يسلكون به طرقًا خاطئة.

أولًا: قد يكون سببًا للخراب إن:
• استُخدم وسيلة للسيطرة أو الاستعلاء.
• طُمع فيه بلا وجه حق.
• صارت المرأة فيه مصدر دخل فقط لا مربية ولا شريكة.

ثانيًا: وقد يكون سببًا للبناء إن:
• اتُخذ وسيلة للتكافل لا التسلّط.
• تم التعامل معه بحوار وتفاهم لا إملاء أو أمر.
• أُنجز به ما يسرّ الأسرة ويضمن مستقبل الأبناء.

⸻

7. الجوانب الشرعية والقانونية:

أ. حق المرأة في راتبها ثابت شرعًا:
• للمرأة ذمة مالية مستقلة.
• لا يجوز إلزامها بالإنفاق ما لم تختر ذلك برضاها.

ب. الأجر المعنوي:
المرأة التي تنفق تُؤجر إن نوت بذلك وجه الله، كما جاء في الحديث الشريف:

“دينارٌ أنفقته على أهلك، ودينارٌ أنفقته في سبيل الله، فأعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك”.

⸻

8. التوصيات:

أ. للأزواج:
• لا تطمع في مال زوجتك، بل إن قبلت مشاركتك، فاشكرها وقدّرها.
• حافظ على قوامتك بحكمة، وكن كفؤًا في تحمل مسؤولياتك.

ب. للزوجات:
• لا تجعلي المال أداة استعلاء أو منّة.
• إن ساعدتِ، فليكن ذلك برضا وتفاهم، لا بدافع الخوف أو الخجل.

ج. للمجتمع:
• يجب نشر ثقافة الاحترام المالي داخل الأسرة.
• لا بد من سنّ توعية قانونية وأخلاقية تحمي المرأة من الابتزاز المالي الأسري.

⸻

9. الخلاصة:
المال لا يهدم ولا يبني، بل الأيدي والعقول التي تمسك به هي من تفعل.
وراتب المرأة، إذا أُدير بالشراكة والرضا، كان نعمة، وإن أُخذ بالقسر أو الطمع، صار نقمة.
القوامة لا تُلغى بمشاركة، والأنوثة لا تُمس بعطاء، وما بين المرأة والرجل يجب أن يبقى ميثاقًا غليظًا لا معركة صامتة على المال.