في إحدى القرى النائية، اشتهر أهلها بالجشع والخداع حتى بات الغريب يتوجس عند دخولها. كان أهلها لا يصدقون في وعودهم ولا يحفظون الأمانة، فصار الكذب عندهم عادة والخيانة طبعًا.
ذات يوم، قدمت امرأة فقيرة إلى القرية وهي تحمل طفلاً صغيرًا، تبحث عن مأوى بعدما اضطرتها الظروف للرحيل من بلدتها. طرقت باب أحد الرجال المعروفين في القرية وسألته: "هل يمكنني أن أعمل لديك مقابل مأوى لي ولطفلي؟" وافق الرجل على الفور، لكنه وضع شرطًا أن تعمل بجد وأن لا تطالب بأي أجر سوى الطعام والمأوى.
مرّت الأيام، وكان الرجل يعاملها بقسوة ويستغل جهدها. وعندما طالبته ببعض المال لتشتري دواء لطفلها المريض، أنكر الرجل الاتفاق وقال: "لم أتفق معكِ على شيء. ارحلي من هنا!"
أخذت المرأة طفلها وذهبت إلى شيخ القرية تشتكي ظلم الرجل. سألها الشيخ: "هل لديك شهود؟" أجابت: "لا، لكني أقسم بالله أنني كنت أعمل في بيته."
استدعى الشيخ الرجل وسأله عن صحة ما تقوله المرأة، فأنكر بشدة واتهمها بالكذب. حينها فكر الشيخ قليلًا وسأل المرأة: "هل كان هناك حيوان في بيت هذا الرجل؟" أجابت: "نعم، لديه كلب أليف."
قال الشيخ: "سنذهب إلى بيت الرجل، وإن كان الكلب يستقبلك بفرح فهو يعرفك ويشهد أنكِ كنت تعيشين هناك. وإن نبح عليك، فهو ينفي ذلك."
عندما اقتربت المرأة من بيت الرجل، بدأ الكلب يهز ذيله ويقفز فرحًا حولها، وكأنه يعرفها جيدًا. عندها نظر الشيخ إلى الرجل وقال: "حتى الكلب يشهد بصدقها وأنت تكذب! بئس القرى التي حيواناتها أصدق من أهلها."
حكم الشيخ للرجل بأن يدفع للمرأة أجرها ويمنحها مأوىً حتى تعثر على مكان آخر، وأمر أهل القرية بأن يتقوا الله وألا يجعلوا الحيوانات أصدق منهم.
بقلم محمد الخضيري الجميلي