الإسلام اليوم/ واس
دعا سماحة مفتى عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ دعا الناسَ إلى تقوى الله في السر والعلن وتوحيده وإقامة أركانه والتمسك بنهج الله القويم واتباع سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في جميع أعمالهم وأقوالهم.
واستهلّ سماحة آل الشيخ خطبته في يوم عرفة بمسجد نَمِرة، بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
وقد توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر اليوم إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا اقتداءً بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وقد امتلأت جَنَبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وطالب سماحة المفتي الحجاج بضرورة تقوى الله في السر والعلن والحرص على عبادته دائمًا وشكره في السراء والضراء، والتضرع إليه، والتأكد من أنه سبحانه مطلع علينا في أي مكان ويسمع دعاءنا، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وبيّن فضيلته أنّ لله سبحانه وتعالى أنعم على الإنسان نعمًا عظيمة حيث خلقهم في أحسن تقويم مستدلاً بقوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وميَّزه عن الحيوان بالعقل والإدراك، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ومنَّ عليه بالهداية والأيمان كما قال الله جل وعلا في كتابه: ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
وقال سماحته: إنّ الله جعل هذه الأمة من الأمة المستجيبين له المصدقين برسالة أنبيائه ورسله وشرّفنا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين وشرفنا بالإسلام ورفعنا عن مستوى الهوام إلى المستوى اللائق بالإنسان ونزهنا عن مشابهة الحيوان، كما ذكره في كتابه الكريم (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).
وأشارَ سماحته إلى أن الله خلق هذا الخلق لحكمة عظيمة وغاية نبيلة بعيدًا عن اللهو والعبث والباطل مستدلاً بقوله تعالى: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)، وأن الله خلق الثقلين الجن والإنس لحكمة بينها كذلك في كتابه حيث قال عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).
وأكّد أن الله لم يهمل هذا الإنسان إلى رأيه والشيطان بل أرسل الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليعلموا الحق من الباطل والرشاد من الفساد والهدى من الضلال؛ لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وتوالت دعوة الأنبياء كلهم يدعون إلى توحيد الله وإخلاص الدين له ويحذرون من الشرك.
وقال: "إنّ كل نبي يبعث إلى قومه بالشريعة الخاصة، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة العامة الشاملة الكاملة للثقلين الجن والإنس، مستدلاً بقوله عز وجل، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ (إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
وأوضح سماحته أنّ الله جعل الشريعة شريعة كاملة شاملة عامة لكل ميادين الحياة الفردية والجماعية، وجعلها عامة تمدّ الإنسان وتلبي حاجة الفرد الروحية والعقلية والجسدية صالحة لجميع الأزمان ولكل المجتمعات.
وقال سماحة مفتى عام المملكة: "إن أول أبواب هذا الدين هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والقضاء والقدر والبعث بعد الموت".
وبيّن أن للعقيدة الإسلامية خصائص منها أنها مبنية على توحيد الله في ربوبيته وإلوهيته وأسماءه وصفاته، وقال: "إن الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من آله، وهو السميع البصير، المحيي المميت، الرزاق العليم ، المعز المذل ذو الجبروت والملكوت وواحد في إلوهيته ، ويجب أن تصرف جميع أنواع العبادة من الدعاء والاستغاثة والالتجاء والاضطرار إلى رب العالمين فهو المالك لذلك كله وله الأسماء الحسنى والصفات العلى اللائقة بجلاله ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، نثبتها كما جاء بها الكتاب والسنة ونثبت حقيقتها على ما يليق بجلال الله وعظمته".
وتحدث سماحة المفتي عن خصائص العقيدة الإسلامية قائلاً: "من خصائص هذه العقيدة أنّ تفاصيلها تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي معصومة من الخطأ بعيدة عن الشبهات فيجب قبولها كلها ولا تعرض للآراء والأهواء كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"، ومن خصائصها الوضوح والبيان والظهور فالقضايا الأساسية واضحة كل الوضوح لمن تدبر فليس فيها تعقيد ولا غموض ولا فلسفة بل أدلتها واضحة من الكتاب والسنة واضحة المعاني بينت الألفاظ، ومن خصائصها أنها تتفق مع الفطرة المستقيمة والعقل السليم فليس فيها ما يتنافى مع الفطرة المستقيمة التي فطر الله الناس عليها".
وأكّد سماحته أنه ليس في النقل الصحيح ما يختلف مع العقل الصحيح أو يحيله، حيث دعا القرآن "العقل" إلى التدبر والتفكر في آيات الله وعظم شأنه، مشيرًا إلى أن من خصائص الشريعة الإسلامية أنها عقيدة الوحدة والألفة والجماعة وتربط بين أتباعها برابطة الإيمان بعيدة عن اللون واللغة والإقليم.
وأوضح فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أنه ما اجتمع المسلمون وعظم شأنهم إلا لما كانت العقيدة قوية في نفوسهم وما تفرقوا وما ضعفوا إلا لما ضعف تمسكهم بهذه العقيدة السليمة، مشيرًا إلى أن الإسلام لم يقتصر على العقيدة وحدها ولا على الجانب النظري فحسب بل أضاف إلى العقيدة أحكاما عملية ووضع منهجًا للمسلم ليشمل العبادات والمعاملات والأسرة والجنايات والأخلاق والسلوك والاجتماع، مفيدًا أن من الأحكام العملية التي ارتضاها الله للمسلم العبادات التي تنظم علاقة العبد بربه.
وأبان سماحته أن هذه العبادات ما بين فرائض يجب أدائها عند استكمال شروطها وما بين نوافل العبد مُخَيّر فيها ولكن الشارع حث عليها لجبر النقص وتكميل الخلل ليكون من أدى الفرائض من المتقين ومن أدى الفرائض مع النوافل كان من الأبرار المقربين ونال محبة الله مشيرًا إلى أن لهذه العبادات خصائصها وأنها توقيفية يعلم تفاصيلها من كتاب الله ومن سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.