كشتة صيد الصقور في العين البيضاء
في عمق براري الشرقاط، حيث تمتد الرمال الذهبية والصخور البيضاء إلى ما لا نهاية، كانت العين البيضاء تحتضن واحدة من أعظم رحلات الصيد التي يمكن تخيلها. محمد الجميلي وعبدالله الجميلي، صديقان قديمان، يجتمعان كل عام في هذا المكان النائي، حيث تُكتب المغامرات بحروف من مغامرة وأسلوب حياة بدوي أصيل.
اليوم كان خاصًا، فالبرية هنا ليست مجرد مساحات فارغة؛ إنها حياة تعيش، تنبض، تتحدى كل من يدخلها بمهاراته وقدراته. بدأت الرحلة مبكرًا، مع بزوغ أول خيوط الفجر، عندما كان ضوء الصباح يخترق الجبال والصخور، وكان هواء الصحراء البارد ينعش الرئتين.
محمد وعبدالله تعاونا معًا، كلٌ يمتلك خبرة فريدة، حيث كان محمد يعرف أسرار الريح واتجاهات الطيور، بينما كان عبدالله بارعًا في تحديد أفضل الأماكن لاصطياد الصقور، مهارات مكتسبة عبر سنين من الممارسة والخبرة.
في تلك البرية، لم تكن الصقور مجرد طيور، بل كانت شريكًا في هذه الرحلة، شريكًا في التحدي والصيد. عُدَّة الصيد كانت من أروع الأدوات البدائية، مثل العصي المدببة والشبكات المصنوعة يدويًا، إلى جانب الصقور المدربة بعناية فائقة.
كل خطوة كانت محفوفة بالمخاطر، ففي الرمال المتحركة أو بين الصخور الحادة، لم يكن هناك مجال للخطأ. المغامرة كانت في كل زاوية، سواء عند انتظار حركة طائر يمر أو في اللحظات الحرجة عندما يُحلق الصقر بسرعة فوق الرؤوس.
عندما أصطاد الصقر الأول، كانت تلك لحظة من الصمت المهيب والدهشة، حيث يُرفع الطائر بفخر أمام السماء، رمزًا للنصر والتواصل مع الطبيعة. كانت هناك قصص تُروى عن كل صيد، عن الطير الذي أفلت، أو عن المخاطر التي تخللت الرحلة، حيث كل موقف كان درسًا بحد ذاته.
في المساء، عندما كانت الشمس تغرق وراء الأفق، كانت نيران المعسكر تشتعل، ويرى محمد وعبدالله أحلام الصحراء تتشكل، بينما يرويان قصص المغامرة، ويستعرضان اللحظات المثيرة التي عاشوها طوال اليوم. الصقور كانت تنام بحراسة مشددة، بينما كان الصديقان يتحدثان عن قسوة البرية وجمالها في آنٍ واحد.
هذه الكشتة لم تكن مجرد رحلة صيد، بل كانت تجربة تحمل طابع الفروسية والبداوة، تعمق الروح في عالم بدوي عريق، حيث تتجلى المغامرة الحقيقية في أعظم صورها.
بقلم محمد الخضيري الجميلي