لقاء في حديقة الزوراء
قصة قصيرة
د.محمد الخضيري الجميلي
في وسط حديقة الزوراء وتحت شجرة التوت وليس بعيدا عن البركة و بين زقزقة العصافير وهدير السيارات المارة في الشارع المجاور للحديقة ,جلست امراة يبدو انها في الثلاثين من عمرها ,جلست على مسطبة خشبية . كانت قدميها مستقيمة على اعشاب الحديقة ,واضعة حقيبتها بين قدميها . كانت تحدق بطفل يلعب بالكرة ,و تراقبه مليا ,كان الطقس ربيعا والساعة تلامس الظهيرة ,بدت المرأة محتشمة ومثقفة من خلال تنسيق الالوان في ملابسها , وتبدو حزينة بعض الشيءويلوح على وجهها علامات الحيرة , وفي الحديقة ايضا يجلس رجل في مكان اخر ,كان الرجل طويل القامة وشعره اسود على مايبدو من لون شعره كانه قد استخدم اصباغ لشعره , بيده سيجارة مشتعلة كان يحدق بوجوه المارة لكن لم يكن يبدو على وجهه مايدل على انه كان يهتم كثيرا بما يرى ,كان مادا ساقيه وساندا ظهره الى المسطبة الخشبية ,نظر الى اعلى واستنشق سيجارته وهو ينظر للاعلى وكانه يتنهد ثم دفع دخان سيجارته باتجاه السماء وكانه يشكو حالة ما الى ربه كان الملل ظاهرا على محياه ومن خلال حركات راسه , كان الطفل صغيرا ولا يتجاوز عمره الستة سنوات وكان يجري خلف الكرة التي تندفع امامه ببطىء ,فجاة سقط الطفل مكبا على وجهه ,قفزت المراة من مكانها باتجاه الطفل وهي تصيح بصوت مخنوق (بسم الله بسم الله) ثم انتبه الرجل اليها ثم شاهد الطفل وهو ملقى على الارض ,فقفز من مكانه مهرولا باتجاه الطفل ايضا ,وصلت المراة الطفل فرفعته من الارض ,وكان الطفل باكيا والدموع تسيل من عينيه وقليل من الدم يسيل من بين اسنانه ,عانقت المراة الطفل ,وهي على مايبدو خائفة على الطفل ومضطربة قليلا وتحدق في وجهه كانها تبحث عن كدمات وتمسح دموعه بيديها وتصفف له شعره ايضا في نفس الوقت ,وصل الرجل اليهم واخذ الطفل وقبله وهو يتلفت يمينا ويسارا كانه يبحث عن ماء ليغسل وجه الطفل ,راى نافورة الماء ,سالت المراة الرجل ,هل هو ابنك ؟,قال نعم سوف اخذه الى النافوره لاغسل وجهه ,ذهب الرجل وابنه الى النافورة ,لحقتهم المراة على استحياء وكانت حيرانة بين العودة الى مكان جلوسها وبين الذهاب مع الطفل وابيه , لكن عاطفتها نحو الطفل ساقتها الى اللحاق بهم الى النافورة ,غسل الاب وجه طفله فسالته المراة هل الطفل في المدرسة ؟اجاب الاب نعم ولكن توفيت امه قبل شهور ,ازداد حزن المراة على الطفل وزاد اهتمامها به ,اخذت المراة الطفل فبدات تغسل وجهه ,سكت الطفل عن البكاء ,فخيم الصمت عليهم جميعا ,ولم يتكلم احد منهم لبرهة من الزمن ,كان الرجل يريد ان يشكرتلك المراة على مساعدته ,فحاول ان يقدم لها بضعة كلمات فاجابت مسرعة وقبل ان يكمل حديثه ,قالت انه ابني , قالت متلعثمة اقصد مثل ابني ,سالها الرجل هل انت متزوجة ؟قالت :كنت متزوجة قبل الحرب ,ولكن قتل زوجي في احدى الغارات الجوية منذ عدة اعوام ,كان موظفا في معمل الحليب ,التفت الرجل اليها متمتما وبكلام متقطع ,وهل لديك اطفال ؟قالت لا لقد قتل زوجي في الاشهر الاولى للزواج ,فقال لها الرجل وقد بانت عليه علامات البهجة تتخللها ابتسامة عريضة ممزوجة بالقلق والاضطراب ,وكانه كان في انتظار هذه الاجابة منذ عدة شهور ,قال لها لنجلس تحت الشجرة طال الحديث بينهم عن الاطفال وتربيتهم واحتياجاتهم كانت المراة بارعة بتربية الاطفال من خلال كلامها ,فسالها الرجل هل انت موظفة ,اجابت انها معلمة في مدرسة ابتدائية ,عند الوصول الى الشجرة .جلسا تحتها وطال الحديث بينهم ,
في استكمال القصة، يمكن أن تتطور الأحداث بعد اللقاء تحت شجرة التوت. مع مرور الوقت، يستمر الحديث بين المرأة والرجل، وتتشكل بينهما علاقة من التعاطف والاحترام المتبادل. بالرغم من الماضي المؤلم الذي يحمله كل منهما، إلا أن هناك نوعًا من الأمل الذي يبدأ بالنمو بينهما.
ومع مرور الأيام، يصبح اللقاء في حديقة الزوراء جزءًا من روتينهما اليومي. يلتقيان بانتظام، وتصبح أحاديثهما أكثر عمقًا. الرجل يشعر بمزيد من الاهتمام والرغبة في الاستقرار بعد فقدانه لزوجته، والمرأة تبدأ في فتح قلبها بعد سنوات من الحزن.
ومع الوقت، يشعر كلاهما بأن هناك شيئًا مميزًا يجمعهما. يقرر الرجل أن يعترف بمشاعره تجاه المرأة، في تلك اللحظة الحاسمة عندما يلتقيان مجددًا في الحديقة، ويقول لها إنه يرغب في بناء حياة جديدة معها، ربما يعوض ما فقده كلاهما في الماضي.
المرأة، التي كانت قد بنَت جدرانًا قوية حول قلبها بعد فقدان زوجها، تبدأ في التفكير في إمكانية فتح صفحة جديدة. مع مرور الوقت، وبفضل الدعم والاحترام المتبادل بينهما، تجد في قلبها مكانًا للمحبة من جديد.
تتطور العلاقة تدريجيًا، وتبدأ بظهور إشارات للزواج. وفي النهاية، بعد فترة من التفكير والتجارب المشتركة، يقرران الزواج، ليبدآ معًا حياة جديدة مليئة بالأمل، الحب، والاتفاق على بناء أسرة سويا، يملأها الفرح والحياة بعد كل ما مر بهما من تحديات.
بعد أن أصبح الرجل والمرأة أكثر قربًا وتفاهمًا، بدأ الطفل الذي كان سبب اللقاء بينهما يشكل جزءًا كبيرًا من حياتهما. الطفل، الذي كان يعيش مع أبيه بعد وفاة والدته، بدأ يشعر بالراحة في وجود المرأة التي أظهرت له عاطفة وحبًا لم يشعر بهما منذ فترة طويلة. كان يراها كأم بديلة، وبدأت العلاقة بينه وبين المرأة تتوطد.
في البداية، كان الطفل مترددًا قليلًا في تقبل هذا التغيير في حياته، لكنه سرعان ما بدأ يشعر بالأمان والراحة في حضنها. المرأة، التي كانت تعتني به بشكل مميز، تعلمه وتوجهه، بدأت تشعر بأن لديها فرصة لإعطاء هذا الطفل الذي فقد والدته الأم الحانية التي يحتاجها. الطفل، الذي كان يعاني من الوحدة والحزن، بدأ يزهر مجددًا، وأصبح أكثر سعادة.
ومع مرور الوقت، بدأ الأب يشعر بالطمأنينة، ورأى كيف أن المرأة أصبحت جزءًا من حياته وحياة ابنه، وبدأ في التفكير في خطوات إضافية لتوثيق العلاقة بينهما. في يوم من الأيام، بينما كانوا في نزهة عائلية في الزوراء، طلب الأب يد المرأة بشكل مفاجئ. قالت له المرأة، وقد امتلأ قلبها بالأمل، إنها بحاجة للوقت، لكنها بدأت ترى في هذا الرجل فرصة لبداية جديدة.
في النهاية، قررت المرأة أن تتزوج الأب، ليس فقط لأنه يحبها، ولكن لأنها أدركت أنه شخص يمكنها أن تبني معه حياة مستقرة وسعيدة، ويكونان معًا في تربية الطفل. أصبح الطفل جزءًا من هذا الارتباط الجديد، ووجد في الرجل الأب الذي فقده، وفي المرأة الأُم التي كانت تبحث عنها عاطفته.
المصير الذي وجد الطفل نفسه فيه كان مصيرًا مليئًا بالأمل والحب، حيث أصبح لديه أسرة تحتضنه، وتملأ حياته بالسلام والفرح، مع العلم أن الماضي الأليم قد خلف وراءه مساحة جديدة للمستقبل.
بعد الزواج، بدأت حياة الأسرة الجديدة تأخذ شكلها المستقر والهادئ، على الرغم من التحديات التي مروا بها في الماضي. الرجل والمرأة أصبحا شريكين حقيقيين في الحياة، ولكل منهما دور مهم في بناء حياة أفضل.
الطفل، الذي كان في البداية يواجه صعوبة في التكيف مع فكرة الزواج الجديدة، بدأ يشعر بالراحة والأمان. لم يعد وحيدًا كما كان في الماضي، وكان لديه أب وأم يهتمان به ويمنحانه الحب والاهتمام. بدأ يذهب إلى المدرسة بفرح أكبر، وأصبح يشارك والدته في تحضير الدروس، بينما كان الأب يحرص على أن يتفوق في دراسته، ويقضي معه وقتًا مميزًا في ممارسة الألعاب الرياضية والأنشطة المشتركة. كان الأب يحرص على تعليمه القيم والأخلاق التي لا بد أن يتحلى بها.
المرأة، التي كانت قد عاشت سنوات طويلة من الحزن، بدأت تجد سعادتها الحقيقية في هذا البيت الجديد. لم يعد العمل في المدرسة هو مصدر سعادتها الوحيد؛ بل أصبحت الأسرة هي مركز حياتها. كانت تشعر بالراحة والأمل في أن الحياة قد أعطتها فرصة جديدة للبدء من جديد. كانت تحرص على أن تملأ البيت بالحب والهدوء، وتُعلم الطفل مبادئ الحياة، مما خلق جوًا من الراحة في المنزل.
كانت هناك لحظات من التحديات، بالطبع، ففي البداية كان الرجل والمرأة يحاولان التكيف مع المسؤوليات الجديدة، وكان الطفل أحيانًا يشعر بقلق من التغييرات التي تحدث من حوله. لكن مع مرور الوقت، استعادوا توازنهم، وأصبح كل شيء يسير بشكل أفضل.
في نهاية كل يوم، كانوا يجتمعون حول المائدة، يتناولون العشاء معًا، ويضحكون ويشاركون لحظاتهم الصغيرة. بدأوا يحلمون بالمستقبل، يتحدثون عن الحياة الجديدة التي سيبنونها سويا، وكيفية تربية الطفل ليكون شخصًا صالحًا في المستقبل.
مع مرور السنوات، أصبحوا عائلة متكاملة. لقد تغلبوا على جميع الصعوبات والتحديات، وأصبحت حياتهم مليئة بالحب والدفء. وبهذا الشكل، بدأت بداية جديدة لجميعهم، حياة تعكس أملًا في المستقبل وتأكيدًا على أن الحب والعناية يمكن أن يغيرا مصير الشخص، مهما كانت الظروف صعبة.
كتبها د.محمد خضيري الجميلي