قلب الأم لا يشيخ
في قرية صغيرة بين الجبال، عاشت أم عجوز تُدعى "أم زينب"، كانت تعمل منذ صغرها بلا كلل لتربية أبنائها الثلاثة. بعد وفاة زوجها في حادث، كرست حياتها لتوفير كل ما يحتاجونه، معتمدة على زراعة حديقتها الصغيرة وغزل الصوف.
كبر الأبناء واشتد عودهم، وسرعان ما قرروا مغادرة القرية للعيش في المدينة. وعدوا أمهم بأنهم سيعودون كل أسبوع لزيارتها. لكنها، بمرور الأيام، بدأت تلاحظ أن رسائلهم وزياراتهم تقل.
في أحد الأيام الشتوية، وبينما كانت الأم تجلس بجانب المدفأة تحيك وشاحًا لابنها الأصغر، سمعت طرقًا على الباب. فتحت لتجد شابًا غريبًا، مرتديًا ملابس رثة، يبدو عليه التعب والجوع. طلب الشاب الطعام والمأوى، فرحبت به دون تردد.
كانت الأم تسأله عن حاله وتواسيه، وكان الشاب ينظر إلى حنانها ويشعر بأنه وجد ملجأً. بعد أيام من استضافته، أخبرها الشاب بحزن قصته:
"يا خالة، كنت أعيش مع أمي التي ضحت بكل شيء لأجلنا، لكنني انجرفت في طريق الأنانية وابتعدت عنها. الآن، أعيش نادمًا على تركها وحدها."
اغرورقت عينا أم زينب بالدموع وقالت:
"يا بني، قلب الأم لا يشيخ. مهما كانت أخطاؤك، ستجد أمك تنتظر عودتك بشوق."
تأثر الشاب بكلماتها وقرر العودة إلى أمه. في تلك اللحظة، أدركت أم زينب أنها تتحدث عن نفسها أيضًا. قررت زيارة أبنائها في المدينة، ليس لتعاتبهم، بل لتجدد أواصر الحب معهم.
عندما وصلت، فوجئ الأبناء بحضورها، وشعروا بالخجل من تقصيرهم. بكت الأم وقالت:
"أنا هنا لأخبركم أن حبي لكم لم يتغير، وأني أنتظر يومًا تعودون فيه لي."
تلك الكلمات أيقظت ضمائرهم، وعاد الأبناء إلى القرية، حاملين معهم عزمًا على تعويض أمهم عن كل لحظة غياب.
هكذا، أثبتت أم زينب أن حنان الأم هو النور الذي لا يخفت، مهما طالت ليالي الجفاء
بقلم محمد الخضيري الجميلي