[ 74 ]
يزعم الشيعة أن عليًا كان أحق الناس بالإمامة
لثبوت فضله على جميع الصحابة ـ كما يدعون ـ
ولكثرة فضائله دونهم،
فنقول:
هبكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة؛
كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وسعة العلم والزهد،
فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما
في مقابل سعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف
وعبد الله بن عمر وغيرهم من المهاجرين والأنصار؟!
هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعيه لهما،
فلم يبق إلا دعوى النص عليهما،
وهذا مالا يعجز عن مثله أحد،
ولو استحلت الأموية ـ مثلا ـ أن تجاهر بالكذب
في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في
ذلك أقوى من أمر الشيعة؛
لقوله تعالى:
﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً
فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ﴾[الإسراء:33].
فسيقولون : المظلوم هو عثمان بن عفان،
وقد نصر الله معاوية لتوليه دم عثمان!
[ 75 ]
تزعم الشيعة أن أبابكر وعمر اغتصبا الخلافة
من علي وتآمرا عليه لكي يمنعوه منها..الخ افترائهم.
نقول :
لو كان ماذكرتموه حقا فما الذي دعا عمر
إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها؟
ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد
أو قصد إلى رجل غيره فولاه
ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة؟!
فصح ضرورة بما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته
غير غالين ولا مقصرين، رضي الله عنهم أجمعين،
وأنهم قدموا الأحق فالأحق والأفضل فالأفضل،
وساووه بنظرائه منهم.
ويؤكد هذا : البرهان التالي؛ وهو :
أن علياً رضي الله عنه لما تولى بعد قتل عثمان رضي الله عنه
سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته،
فهل ذكرأحد من الناس أن أحدا منهم اعتذر إليه
مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟!
أوهل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته؟!
أو قال أحد منهم:
لقد ذكرت هذا النص
الذي كنت أنسيته في أمر علي؟!
[ 76 ]
لقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه
ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه،
وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء،
فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر
من أن يكون بسبب من هذه الأسباب :
1- أن يكون بالقوة.
2- أو أن يكون عن ظهور حق أبي بكر بالخلافة؛
فأوجب ذلك الانقياد لبيعته.
3- أو فعلوا ذلك لغير معنى.
ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه.
فإن قال الشيعة :
إنما بايعوه بالقوة، فهذا كذب؛
لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولاسباب
ولا تهديد ولا سلاح،
ومحال أن يرهب الأنصار
وهم أزيد من ألفي فارس أبطال كلهم عشيرة واحدة
قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه
وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين
لجميع العرب في أقطار بلادهم،
موطنين على الموت
متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر الروم بمؤتة وغيرها،
محال أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط
لا يرجع إلى عشيرة كثيرة
ولا إلى موالٍ ولا إلى عصبة ولا مال،
فيرجعوا إليه وهو عندهم مبطل!
بل بايعوه بلا تردد ولا تطويل.
وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم
وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم،
فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم
على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك،
ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه،
ثم يسلمون كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له
ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه
ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال.
وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن الأنصار رضي الله عنهم
إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنهم
لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم،
لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم.
فإذا بطل أن يكون الأمر في الأنصار
وزالت الرياسة عنهم،
فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم
على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه وسلم
على خلافة علي؟!
ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم
على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم!!
[ 77 ]
بما أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد نجحا
في تنحية علي رضي الله عنه عن الخلافة ـ كما تزعم الشيعة ـ،
فما هي المكاسب التي حققوها لأنفسهم؟!
ولماذا لم يخلف أبو بكر أحد أولاده على الحكم،
كما فعل علي؟!
ولماذا لم يخلف عمر أحد أولاده على الحكم
كما فعل علي؟!
[ 78 ]
لقد وجدنا أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان
رضي الله عنهم،
أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب
رضوان الله تعالى عنهم،
فجدته هي فاطمة رضي الله عنها،
وجده عثمان بن عفان رضي الله عنه!
وهنا سؤال محرج للشيعة :
هل يصح عندهم أن يكون لفاطمة رضي الله عنها حفيدٌ ملعونٌ؟
!لأن بني أمية عند الشيعة
ـ ومنهم محمد الذي ذكرناه سابقًا ـ هم
(الشجرة الملعونة في القرآن)! ([1])
=============
([1]) انظر: «الكافي» (5/7),
«كتاب سليم بن قيس» (ص362).