الإسلام اليوم/ واس
أكّد إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم أنّ الأمة الإسلامية لن ترتقي بنفسها إلا بالإسلام، ولن يكتمل إسلامها إلا بوحدتها، ولن يتحقق نصرها إلا باجتماعها {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة، الّتي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة: "لقد كان الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء، وفتن وشر، القوي فيها يقهر الضعيف، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، ظلم وقهر وقتل ونهب، ظلمات بعضها فوق بعض، وقد بلغ الظلم قبل البعثة مدى بعيدًا، حتى أصبح من شيم النفوس عندهم أن من لم يظلم فإنما ذلك لعلة فيه منعته من الظلم الذي هو محل افتخار في الجاهلية، ظلم في الدماء وفي الأعراض وفي الأموال، وغش في المكاييل والموازين، واحتقار للمرأة حتى وُئِدت حية فقُتلت، وسيسألها ربها بأي ذنب قُتلت".
وأضاف الشيخ الشريم: "لم يكن للمرأة قيمة في الجاهلية إلا في السقي والاحتطاب وإبراد غلة الشهوة، فكان أنّ سلط الله بعضهم على بعض فأهلكتهم الحروب وتوالت عليهم الفتن والنكبات، وعجب أنهم لم يهتدوا إلى ما يقربهم من الله حتى بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق، فدعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".
وتابع فضيلته: "فأقرَّ التوحيد الخالص، ونهى عن الشرك بالله ومنع الظلم والبطش والعدوان، وأكرم المرأة المسلمة أيما إكرام، وجعل النساء شقائق الرجال، وقال مؤكدًا: [استوصوا بالنساء خيرًا]، وأبطل فوارق الجاهلية فلم يفرق بين أبيض وأسود، ولا بين شريف ووضيع، فصار داعيًا إلى ما أوحى إليه ربه ومولاه بقوله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، فأمرهم بالتعارف لا التنافر، وبالتناصر لا التخاذل، وجعل الميزان هو تقوى الله سبحانه وتعالى".
وأوضح فضيلته أنّه بهذه الدعوة دخل الناس في دين الله أفواجًا، وتزوج الفقير من الغني، والشريف من الوضيع، وكان الإسلام مؤلفًا بين القلوب، جامعًا للناس ومعزًا لهم وناصرًا لهم، إنها وحدة إسلامية، الوحدة التي جمعتهم على إله واحد ورسول واحد وكتاب واحد، حتى صارت أمة الإسلام كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ولم تكن هذه الوحدة يومًا ما مبنية على اللغة؛ لأنّ اللغة وحدها قد يتجاذبها كافر ومسلم، ولم تكن يومًا ما قائمة على الإقليمية والجنس فالإسلام لا يقيم للجنس وزنًا لأنّ الناس كلهم لآدم وآدم من تراب، وإنما قامت هذه الوحدة على أساس عقيدة الإيمان التي أرادها الله للبشر عامة فصارت معايير الوحدة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في توحيد الخالق سبحانه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا}، وفي وحدة الرسول صلى الله عليه وسلم {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي}، وفي وحدة الدين {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه}، وفي وحدة الكتاب {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}، وفي وحدة القبلة {فول وجهك شطر المسجد الحرام}.
وبيَّن إمام وخطيب المسجد الحرام أن شريعة الإسلام بنيت على العدل والقسط والإنصاف والعدل مع النفس والزوجات والأولاد والأصدقاء والأعداء وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل ونهى عن الظلم في كتابه العزيز في أكثر من 350 آية ، فالعدل هو ميزان الأرض حتى مع الخصوم مسلمين كانوا أم غير مسلمين ، فإن الحد الأدنى في معاملتهم هو ما أمر الله به في قوله (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى )) ولذلك امتازت مرحلة الفتوح الإسلامية عبر التاريخ بسلوك العدل وقيمته السامية في جيوش المسلمين فكانوا يفتحون البلاد تلو البلاد لم ينهبوا فيها مالا ولم يقتلوا فيها شيخا ولا امرأة ولا طفلا فكانت تلك الفتوحات دعوة لله عز وجل وإعلاء لكلمته ممزوجة بالرحمة والعدل بخلاف ما سجله التاريخ من واقع مغاير لفتوحات المسلمين والذي صار أكبر همه سباق التسلح وامتلاك ما يعد دمارا شاملا أفرز حروبا عالمية كان ضحيتها الملايين من البشر.