السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول :ابن حبان البستي
في كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)
صفة الكريم واللئيم
أنبأنا محمد بن الحسن بن الخليل ، حدثنا أبو كريب، حدثنا عبدة ابن سليمان عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري،
عن أبي هريرة قال (قيل يا رسول الله، أي الناس أكرم؟ قال: أكرمهم عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: فعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا: نعم، قال: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا).
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أكرم الناس من أتقى الله، والكريم التقي.
والتقوى: عي العزم على إتيان المأمورات، والأنزجار عن جميع المزجورات فمن صح عزمهعلى هاتين الخصلتين فهو التقي الذي يستحق اسم الكرم، ومن تعرى عن استعمالهما، أو أحدهما، أو شعبة من شعبهما، فقد نقص من كرمه مثله.
ولقد أنبأنا محمد بن المهاجر، حدثنا عيسى بن محمد بن سهل الأزدي عن أبيه عن المدائني، قال:
قال زيد بن ثابت (ثلاث خصال لا تجتمع إلا في كريم: حسن المحضر،واحتمال الزلة، وقلة الملالة)
وأنشدني ابن زنجي البغدادي:
رأيت الحق يعرفه الكريم = لصاحبه وينكره اللئيم
إذا كان الفتى حسناً كريماً = فكل فعاله حسن كريم
إذا ألفيته سمجاً لئيمـــــا = فكل فعاله سمج لئيــــم
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الكريم لا يكون حقوداً ولا حسوداً، ولا شامتاً، ولا باغياً،ولا ساهياً، ولا لاهياً، ولا فاجراً، ولا فخوراً، ولا كاذباً، ولا ملولا، ولا يقطع إلفه، ولا يؤذيإخوانه، ولا يضيع الحفاظ، ولا يجفو في الوداد، يعطي من يرجو، ويؤمن من لا يخاف، ويعفوعن قدرة، ويصل عن قطيعة.
أخبرني محمد بن أبي علي الخلادي، حدثنا محمد بن الحسن الذهلي عن علي بن محمدالمرحبي عن محمد بن إبراهيم العباسي عن عبد الله بن الحجاج - مولي المهدي – عن إبراهيم بن شكلة، قال:
(إن لكل شيء حياة وموتا، وإن مما يحيي الكرم مواصلة الكرماء،ومما يحيي اللؤم معاشرة اللئام).
وأنشدني الكريزي:
وما بال قوم لئام ليس عندهُم = عهد، وليس لهم دين إذا ائتمنوا
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً = مِنا، وما سمعوا من صالح دفنوا
صُمٌّ إذا سمعوا خيراً ذُكرتُ به = وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أذنوا
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الكريم يلين إذا اسُتعْطِف، واللئيم يقسوا إذا ألُطِفْ، والكريميُجِل الكرام، ولاُ يهين اللئام، ولا يؤذي العاقل، ولا يمازح الأحمق، ولا يعاشر الفاجر، مؤثراًإخوانه على نفسه باذلا لهم ما ملك، إذا أطلع على رغبة من أخ لم يدع مكافأتها، وإذاعرف منه مودة لم ينظر في قلق العداوة، وإذا أعطاه من نفسه الإخاء لم يقطعه بشيء من الأشياء.
كما أنشدني الخلادي، أنشدنا أحمد بن أبي علي القاضي، قال: أنشدنا محمد بن مقيس الأزدي:
فإن الذي بيني وبين عشيرتي = وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا قدحوا لي نار حرب بِزَنْدهم = قدحتُ لهم في كل مكْرُمة زَندا
وإن أكلوا لحمي وفَرْتُ لحومهمْ = وإن هدموا مجَدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أحمل الحِقدْ القديم عليهمُ = وليس رئيس الُقوم من يحمل الحقدا
وأعطيهم مالي إذا كنت واجدا = وإن قلَّ مالي لم أكلفهُم رفدا
أنبأنا ابن حوصا، حدثنا النحاسي حدثنا ضمرة عن إبراهيم بن أبي علية قال: رأيت سالم بن عبد الله ومحمد بن عبد العزيز يتسايران بأرض الروم، فأبال أحدهما دابته، فأمسك عليه الآخر حتى لحقه.
أنبأنا محمد بن المهاجر، حدثنا أحمد بن أبي بكر بن خالد اليزيدي عن قطبة ابن العلاء بن المنهال، قال: سمعت المبارك بن سعيد يقول: سمعت الأعمش يقول: قال الشعبي (إنكرام الناس أسرعهم مودة، وأبطؤهم عداوة، مثل الكوب من الفضة يبطئ الانكسار، ويسرع الانجبار، وإن لئام الناس أبطؤهم مودة، وأسرعهم عداوة، مثل الكوب من الفخار: يسرعالانكسار، ويبطئ الانجبار)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الكريم مَنْ أعطاه شكَره، ومن منعه عذره، ومن قطعه وصله، ومن وصله فضله، ومن سأله أعطاه، ومن لم يسأله ابتدأه، وإذا استضعف أحداًرحمه، وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه، واللئيم بضد ما وصفنا من الخصال كلها.
ولقد أنبأنا أحمد بن قريش بن عبد العزيز، حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي، حدثنا أحمد بن الخليل، حدثنا يحيى بن أيوب عن أبي عيسى قال: كان إبراهيم ابن أدهم كريم النفس،يخالط الناس بأخلاقهم ويأكل معهم، قال: فربما أتخذ لهم الشواء والجوازات والخبيص، وربماخلا وأصحابه الذين يأنس بهم فيتصارعون، قال: وكان يعمل عمل رجلين، وكان إذا صارإلى نفسه أكل عجينا.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أجمع أهل التجارب للدهر، وأهل الفضل في الدين، والراغب ونفي الجميل: على أن أفضل ما أقتنى الرجل لنفسه في الدنيا، وأجل ما يَدَّخر لها في العقبى هو لزوم الكرم، ومعاشرة الكرام؛ لأن الكرم يحسن الذكر، ويشرف القدر، وهو طباع ركَّبه االله في بني آدم، فمن الناس من يكون أكرم من أبيه، وربما كان الأب أكرم من أبنه، وربما كان المملوك أكرم من مولاه، وربَّ مولى أكرمُ من مملوكه.
ولقد أحسن الذي يقول:
رب مملوك إذا كشفته = كان من مولاه أولى بالكرمْ
فهو ممدوح على أحواله = وترى مولاه يُهْجَى ويذُمَ
وتراه كيف يعلو دائماً؟ = وترى مولاه من تحت القدم
وفتى تلقى أباه دونه = وأباً تلــقاه أعـــلى وأتــــــم
من بنيه، ثم لا يعتلُّ إن = طُلب المعروف منه بالصمم
وكذاك الناس فاعلم ربُّنا = قدر الأخلاق فيهم وقسم
وأنشدني الأبرش:
رأيت اللين لا يرضى بضيم = لأن الضيم يسخطه الكريم
وإن اللين أكرم كل شيء = فليس يحبه خلق لئيم
فإن نَزَلَ الأذى واللين قلبا = فإن اللين يرحل لا يقيم
ويبقى للأذى في القلب صحب = من البغضاء يلبث لا يَرِيم
حدثنا القطان بالرقة، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبي يقول: ما من أحدإلا وله توبة، إلا سيئ الخلق؛ فأنه لا يتوب من ذنب إلا دخل في شر منه.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: الكريم محمود الأثر في الدنيا، مرضى العملفي العقبي، يحبه القريب والقاصي، ويألفه المتسخط والراضي، يفارقه الأعداء واللئام،ويصحبه العقلاء والكرام.
وما رأيت شيئاً أكثر عملا في نقص كرم الكريم من الفقر، سواء كان ذلك بالقلب أو بالموجود.
ولقد أنشدني المنتصر بن بلال الأنصاري:
لعمرك، إن المالَ قد يجعل الفتى = نسيبا، وإن الفقر بالمرء قد يُزرِي
ولا رَفَعَ النفسَ الدنِيَّة كالغنى = ولا وضع النفسَ الكريمة كالفقر
حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمنعن زكريا بن أبي زائدة عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة قال:
(جالسوا الكبراء،وخالطوا الحكماء، وسائلوا العلماء).
تحياتي لكم::::::