رحلة المقناص ١٩٨٦
رحلة محمد وعبدالله إلى المضبعة والعين البيضاء – شتاء 1986
في شتاء عام 1986، كان الفجر قد بدأ ينسج خيوطه الذهبية على أرض الشرقاط، حيث كان محمد وعبدالله قد اتفقا على مغامرة جديدة. كان الجو باردًا، وغطت طبقة رقيقة من الندى السيارات والطرق الترابية. بعد أسابيع من التخطيط، كانت اللحظة قد حانت للانطلاق في رحلة إلى المضبعة والعين البيضاء، من أبرز الأماكن للصيد في برية الشرقاط.
الطريق إلى المغامرة
في ساعات الصباح الأولى، كان محمد يقف بجانب سيارة البويك السيدان، لونها الأحمر العنابي اللامع تحت أشعة الشمس الضعيفة. كانت السيارة تبدو وكأنها على استعداد لخوض مغامرة جديدة، فقد كانت من الداخل مزينة بأثاث جلدي فاخر باللون الأحمر أيضًا، مما يضيف لمسة من الفخامة التي كانت تليق بمثل هذه الرحلات. كان عبدالله، الذي طالما كان محبًا للمغامرات، قد وصل لتوه إلى المكان، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، وعينيه مليئة بالحماس.
قال عبدالله، وهو يرفع حاجبه في تحدٍ: "محمد، اليوم سيكون لدينا صيد لا يُنسى. ستكتشف لماذا أطلقوا علي لقب تان تان."
نظر محمد إلى عبدالله بابتسامة واسعة وهو يربط غطاء رأسه، مستعدًا للرحلة: "أعتقد أنني سآخذ هذا اللقب منك اليوم يا تان تان. لكن تذكر، أن المغامرة ليست دائمًا كما نخطط لها." كان محمد معروفًا في محيطه بلقب "طريخم"، ذلك الاسم الذي أطلقه عليه أصدقاؤه بسبب حبه للبداوة وحياة الصحراء، وكان يفضل الصيد في البراري على أي شيء آخر.
الانطلاق في الطريق
تحركت السيارة برشاقة على الطريق الترابي المتعرج. كانت الأغاني التي تتناثر من المذياع قد أضافت أجواء من الحنين في السيارة، حيث استمعا معًا إلى أغاني الفنان داخل حسن التي كانت تعزف على الراديو. عبدالله، الذي كان يقترب من المقعد الأمامي وهو يراقب الطريق، قال: "هذه السيارة ليست مجرد وسيلة تنقل. إنها رفيق المغامرات."
ضحك محمد قائلاً: "المغامرة ليست في السيارة، بل في ما سنواجهه في البرية." وكانت الأحاديث تتنوع بينهما؛ عن الصيد، عن الحياة في البرية، وعن ذكرياتهما الطفولية في الشرقاط. ومع كل نقاش، كانت السيارة تقترب أكثر من المضبعة والعين البيضاء.
الوصول إلى المضبعة والعين البيضاء
بعد ساعات من القيادة، وصلوا إلى منطقة المضبعة ثم العين البيضاء. كانت الأرض واسعة، تحيط بها المساحات الجافة والمغطاة بالأشواك والأعشاب الجافة. كانت المنطقة تبدو خالية من البشر، لكنها مليئة بالحياة البرية. نظر محمد إلى المكان، وقال: "هذه هي الأرض التي نحتاجها. سنجد هنا ما نبحث عنه."
بينما كان عبدالله يستعد لجمع أدواته، نظر إلى محمد وقال بنبرة مازحة: "اليوم سأتفوق عليك في الصيد، طريخم. ستكون مغامرتك على يديّ."
ضحك محمد وأجاب: "الوقت سيظهر من هو الأفضل فينا، يا تان تان."
المغامرة تبدأ
بينما كانا يتنقلان عبر التضاريس الوعرة، ظهرت أول علامة على الحياة البرية. كان هناك طائر حباري يطير في السماء، وهبط على مسافة قريبة من المكان. كانت فرصة مثالية لعبدالله ليبدأ مغامرته. أخرج بندقيته بحذر، وضبط هدفه. ثم أطلق طلقة، لكن الطائر أفلت بسرعة، مبتعدًا عن متناول يده.
نظر محمد إلى عبدالله وهو يبتسم: "ألم تقل إنك تان تان؟ يبدو أن الصيد ليس بتلك السهولة."
أجاب عبدالله، وهو يضبط نفسه: "هذه مجرد بداية، لا تقلق، سأصطاد واحدًا قريبًا."
الصيد في البرية
واصل الاثنان التوغل في البرية، وكانا يتنقلان بين الأشجار والمناطق الصخرية. وفي تلك اللحظة، ظهرت غزالة رشيقة تتنقل بين الصخور. كانت فرصة رائعة لمحمد ليظهر مهارته في الصيد. أخرج بندقيته وأخذ وقفة هادئة، ثم أصاب الغزالة في مكان حساس. سقطت الغزالة بسرعة على الأرض.
نظر عبدالله بدهشة وقال: "لقد فعلتها يا طريخم! لكن حان دوري الآن."
ابتسم محمد بثقة وقال: "الصيد لا يتوقف على الحظ، بل على الممارسة. لقد تعلمت ذلك منذ سنوات."
الاكتشاف المدهش
بعد ساعات من الصيد، قررا أن يستريحا قليلاً. بينما كانا يستريحان بالقرب من نبع ماء صافي، لاحظ عبدالله فتحة صغيرة في الجبل تؤدي إلى كهف مظلم. كان فضول عبدالله هو الذي دفعه لاستكشاف المكان، بينما كان محمد حذرًا. "لا تكن متهورًا، يا تان تان، نحن هنا من أجل الصيد، وليس لاكتشاف الكهوف."
لكن عبدالله، الذي كان دائمًا محبًا للمغامرات، دخل الكهف مصطحبًا مصباحه اليدوي. وفي الداخل، اكتشف رسومات قديمة على الجدران وأدوات حجرية قديمة. خرج من الكهف بحماسة: "محمد! هذا الكهف مليء بالأسرار. ربما يكون مكانًا أثريًا."
محمد، وهو يراقب المكان بحذر، قال: "مغامرتك تجاوزت الصيد إلى الاكتشافات الأثرية! لكن تذكر، الحذر مهم في كل مغامرة."
الليلة في البرية
بعد يوم طويل من الصيد، قررا أن يلتئما حول نار صغيرة بين الأشجار. كانت السماء قد امتلأت بالنجوم، وعواء ذئب بعيد في الجبال أضاف جوًا من الإثارة للمكان. محمد أمسك بندقيته وقال: "يبدو أن لدينا ضيفًا غير مدعو."
عبدالله، وهو يضحك: "حتى الذئاب يريدون رؤية مغامرتنا اليوم!" ولكن بمجرد أن اقترب العواء، أطلق محمد طلقة تحذيرية في الهواء، فاختفى الذئب في الظلام.
العودة إلى الشرقاط
مع بزوغ الفجر، قررا العودة إلى الشرقاط. كانت السيارة البويك محملة بكل ما جمعوه من صيد واكتشافات، والذكريات التي لن تُنسى. وفي الطريق العودة، قال عبدالله: "محمد، في المرة القادمة سأصطاد الغزالة والحباري معًا. أنتظر هذه اللحظة."
محمد، وهو يبتسم: "لا شيء يأتي بسهولة، يا تان تان. المغامرة القادمة تحتاج إلى خطط أفضل."
السيارة بدأت تبتعد عن البرية، بينما كانت موسيقى هادئة تنبعث من الراديو، ويستمر الحديث بينهما عن مغامرة جديدة قادمة.
بقلم محمد الخضيري الجميلي