أمير المؤمنين المنصور بالله هشام بن عبد الملك
( جد عبد الرحمن الداخل )
اسمه : هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد القرشي الأموي الدمشقي، أمير المؤمنين.
وأمه : أم هشام عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي
كنيته : أبو الوليد
لقبه : المنصور بالله لأنه ولد لما قتل أبوه عبد الملك مصعب بن الزبير في سنة ثنتين وسبعين فسماه منصور تفاؤلا ثم قدم فوجد أمه قد أسمته باسم أبيها هشام فأقره ولم تلد من عبد الملك سواه حتى طلقها .
ترتيبه في الخلافة : العاشر من خلفاء بني أمية و يعد آخر الأقوياء من خلفاء بني أمية
صفته الخلقية : وكان جميلاً أبيض أحول يخضب بالسواد
مدة حكمه : قريباً من العشرين سنة
ولايته الخلافة : وقد بويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن عبد الملك بعهد منه إليه، وذلك يوم الجمعة لأربع بقين من شعبان سنة خمس ومائة، وكان له من العمر يومئذ أربع وثلاثون سنة. ، وهو الرابع من ولد عبد الملك الذين ولوا الخلافة، وقد كان عبد الملك رأى في المنام كأنه بال في المحراب أربع مرات، فدسَّ إلى سعيد بن المسيب من سأله عنها ففسرها له بأنه يلي الخلافة من ولده أربعة، فوقع ذلك، فكان هشام آخرهم، وذكر محمد بن عمر عمن حدثه أن الخلافة أتت هشاما وهو بالزيتونة في منزله في دويرة له هناك، فجاءه البريد بالعصا والخاتم، وسلم عليه بالخلافة، فركب هشام من الرصافة حتى أتى دمشق.
ويقال أن يزيد بن عبد الملك قبل موته كتب إلى أخيه هشام أما بعد فإن أمير المؤمنين قد بلغه أنك استبطأت حياته وتمنيت وفاته ورمت الخلافة وكتب في آخره
تمنى رجال أن أموت وإن أمت***فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وقد علموا لو ينفع العلم عنده***متى مت ما الباغي علي بمخلد
منيته تجري لوقت وحتفه***يصادفه يوما على غير موعد
فقل للذي يبقى خلاف الذي*** مضى تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد
فكتب إليه هشام : جعل الله يومي قبل يومك وولدي قبل ولدك فلا خير في العيش بعدك
خلافته :
كان هشام بن عبد الملك جديراً بالخلافة .. فهو قائد داهية...تشهد له ميادين الجهاد قبل توليه الخلافة ...فقد غزا بلاد الروم قبل خلافته ففتح حصن بولق وحصن الأخرم وبحيرة الفرمسان وحصن بولس وقميقم وقتل من المستعر به نحوا من ألف وسبى ذراريهم..
و بعد توليه مقاليد الحكم واجه هشام بن عبد الملك عدداً من المحاولات لزعزعة الأمن وبعض الفتن من قبل الخوارج و أصحاب الأطماع السياسية إلا أنه تمكن من القضاء عليها جميعاً بفضل سياسته الحكيمة و بصيرته النافذة أعاد الجراح بن عبد الله الحكمي لولاية بلاد ما وراء النهر وأقره عليها بعد ما كثرت الاضطرابات عام 111هـ، 729م، فتصدى الجراح للخارجين عن دولة الخلافة من الترك والخزريين وغيرهم، وحارب في معركة حامية الوطيس في بلاد داغستان حيث حاربهم عند مضيق الدربند (باب الأبواب)، وأستدرجهم إلى صحراء ورثان، وصمد فيها الجراح مع أصحابه وأدت في النهاية إلى استشهاده، وعندما وصل الخبر إلى الخليفة بمقتله واستشهاده، أمر بتسيير جيش بقيادة سعيد بن عمرو الحرشي وأرسل إلى الأمراء الأجناد بمساندة هذا الجيش وأناط بأخيه مسلمة بن عبد الملك بقيادة هذا الجيش، وكان في هذا الجيش آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد، وكان من كبار المجاهدين فما إن وصل هذا الجيش إلى هناك حتى دك قلاع الخزرين واللان والأتراك وغيرهم، وضم البلاد إلى دار الخلافة الإسلامية، وغزا مسلمة بن عبد الملك الترك حتى بلغ مدينة باب الأبواب وهي ميناء كبير على بحر الخزر ومدينة كبيرة محصنة، من ناحية أذربيجان
. ومن ذلك التأريخ لم تصل الدولة الإسلامية إلى أوسع من هذه المساحة في الأتساع الجغرافي، من الصين شرقا إلى الأطلسي غربا، وكانت عاصمتها دمشق.
معركة بلاط الشهداء
تولى عبد الرحمن بن عبدالله الغافقي إمرة الأندلس زمن الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك سنة 112هـ ، فطاف الأقاليم ينظر في المظالم ، ويقتص للضعفاء ، ويعزل الـولاة الذين حادوا عن جادة الطريق ، ويستبدل بهم ولاة معروفين بالزهد والعدل ، ويتأهـب للجهاد ، ودعا المسلمين من اليمن والشام ومصر وإفريقية لمناصرته فجاؤوا وازدحمت بهم قرطبة .
وجمع الغافقي المجاهدين في مدينة بنبلونة ، وخرج باحتفال مهيب ليعبر جبال البرانس شمال أسبانيا ، واتجه شرقاً جنوب فرنسا فأخضع مدينة أرل ، ثم اتجه إلى دوقية أقطانيا فانتصـر عـلى الدوق أودو انتصـاراً حاسماً ، وتقهقر الدوق ، واستنجـد بشارل مارتل ، حاجـب قصـر الميروفنجيين حكام الفرنجة وصاحب الأمر والنهي في دولة الفرنجة ، وكان يسمى المطرقة ، فلبى النداء ، وكان قبلها لا يحفل بتحركات المسلمين جنوب فرنسا بسبب الخلاف الذي بينه وبين دوق أقطـانيا الذي كان سببه طـمع شارل بالدوقية ، وبذلك توحـدت قوى النصرانية في فرنسا .
واجتمع الفرنجة إلى شارل مارتل وقالوا له : ماهذا الخزي الباقي في الأعقاب ،كنا نسمع بالعرب ونخافهم من مطلع الشمس حتى أتوا من مغربها ، واستولوا على بـلاد الأندلـس وعـظيم ما فيها من العدة والعـدد ، بجمعهم القليل وقلة عدتهم وكونهـم لا دروع لهم ، فأجابهم : الرأي عندي ألا تعترضوهم في خرجتهم هذه فإنهم كالسيل يحمل ما يصادفه ، وهم في إقبال أمرهم ، ولهم نيات تغني عن حصـانة الدروع ، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم ، ويتخذوا المساكن ، ويتنافسوا في الرئاسة ، ويستعين بعضهم على بعض فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر .
وأنهى شارل حروبه مع السكسون والبافاريين ، وتنبه لفتوح المسلمين ، وأما الغافقي فقد مضى في طريقه متتبعاً مجرى نهر الجارون ففتح بردال ، واندفع شمالاً ووصل إلى مدينة بواتييه .
وكانت المعركة في مدينة بواتييه جنوب فرنسـا ، على مسافة عشرين كيلومتراً منها ، وتسمى المعركة : البلاط ، بلاط الشهداء ، تور ، بواتييه . والمقصود بالبلاط القصر أو الحصن ، ولعل مكان الموقعة كان بجوار قصر أو حصن كبير .
موازين القوى :
1- عدد الجيش الفرنجيّ أكبر من جيش المسلمين ، فهم سيل من الجند المتدفق ، ولم يكن الجيش المسلم يزيد عن سبعين ألفاً ، وقد يصل إلى مائة ألف .
2- موقف الفرنجة الاستراتيجي أفضل وأجود ؛ لمعرفتهم بالموقع ، والقدرة على القتال في جو شات مطير وأرض موحلة .
3- الفرنجة مددهم البشري والتمويني قريب ، بينما المسلمون على بعد يجاوز ألف كيلومتر عن عاصمة الأندلس .
4- الغنائم التي حملها الجيش الإسلامي مما غنموه في المعارك السابقة ، فقد كانت سبباً مهماً في الخسارة كما سيأتي ، ولو أنهم تركوها في برشلونة مثلاً لاطمأنت نفوسهم وخلت أيديهم للعمل المقبل ، ولكنهم حرصوا عليها وانقلبت عليهم ثقلاً يرهقهم ويضعف حركتهم .
والتقى الجمعان في أواخر شعبان سنة 114هـ ، ورابط كل منهما أمام الآخر ثمانية أيام ، وكان المسلمون هم الذين بدأوا القتال ، ولم يشتبك الجيشان في المعركة إلا بعد بضعة أيام ظلا خلالها يتناوشان في اشتباكات محلية ، ثم اشتبكا بعد ذلك في قتال عنيف ، واجتهد الفرنجة ومن معهم من الألمان والسويف والسكسون في اختراق خطوط المسلمين يومين متتاليين دون نتيجة ، وقد بذلوا أقصى ما استطاعوا من جهد وهجم مشاتهم وفرسانهم على المسلمين هجوماً عنيفاً بالحراب ، ولكن المسلمين ثبتوا ، بل بدا قرب مساء اليوم الثاني أن المسلمين أخذوا يتفوقون على عدوهم ، ثم حدث بعد ذلك أن اندفعت فرقـة من فرسـان الفرنجة فاخترقت صفوف المسلمين في موضع ، وأفضت إلى خلف الصفوف حيث كان المسلمون قد أودعوا غنائمهم ، وكانت شيئاً عظيماً جداً ، فريع الجند الإسلامي ، وخشي الكثيـرون من أفراده أن يستولي عليها هؤلاء الفرنجة ، فالتفت بعضهم وعادوا إلى الخلف ليبعدوا عنها الأعـداء ، وهنا اضطربت صفوف المسلمين واتسعت الثغرة التي نفـذ منها الفرنجة ، فاندفعوا فيها في عنف وقوة زلزلت نظام القوات الإسلامية ، وحاول عبد الرحمن الغافقي أن يثبت جنوده ويعيد نظامه أو يصرفه عن الهلع على الغنائم فلم يوفق ، وأصابه سهم أودى بحياته ، وصبر المسلمون حتى أقبل الليل فانتهـزوا فرصة الظـلام وتسللوا متراجعين إلى الجنوب على عجل ، وكل ذلك أوائل شهر رمضان سنة 114هـ .
وحينما أسفر الصبح نهض الفرنجة فلم يجدوا من المسلمين أحداً ، فتقدموا على حذر من مضارب المسلمين فإذا هي خالية منهم ، وقد فاضـت بالغنائم والأسلاب والخيرات ، فظنوا أن في الأمر خدعة ، وتريثـوا قبل أن يجتاحوا المعسكر وينتهبوا مافيه ، ولم يفكر أحد منهم في تتبع المسلمين ؛ إما لأنهم خافوا أن يكون المسلمون قد نصبوا لهم بهذا الانسحاب شركاً ، أو لأن شارل مارتل تبين مانزل بالمسلمين فرأى أنه يستطيع العودة إلى الشمال مطمئناً إلى أنهم انصرفوا عنه وعن بلاده ، واندفع المسلمون في تراجعهم نحو الجنوب مسرعين ، واتجهت جموعهم نحو أربونة ، وحينما أحسوا أن أحداً من النصارى لا يتتبعهم تمهلوا في سيرهم ليستجمعوا صفوفهم من جديد .
وهكذا انتهت المعركة ، ولو انتصر فيها المسلمون لتخلصت أوروبا من ظلماتها وجهالتها واستبدادها وحطمت الاستغلال والاضطهاد ، ولذا قال جيبون : لو انتصر العرب في تور _ بواتييه لتلي القرآن وفسر في أكسفورد وكمبردج .
وما إن وصل الخبر إلى الخليفة الأموي حتى أمر والي إفريقية بإرسال مدد بقيادة عبد الملك بن قطن الفهري ، وأمره الخليفة بغزو فرنسا ، وتوجه عبد الملك إلى نواحي شمال الأندلس وحصن المعاقل التي بأيدي المسلمين ، وبقي أهالي جنوب فرنسا يكرهون الفرنجة رغم انتصارهم على المسلمين ، وتحالفَ بعض أمراء جنوب فرنسا مع المسلمين ضد الفرنجة ؛ وذلك كرهاً للهمجية البربرية في شارل وجيشه ، ولكن بلاط الشهداء كانت آخر محاولة جدية قام بها المسلمون لغزو بلاد الفرنجة .
ولو انتصر المسلمون في هذه المعركة لدخلوا أوروبا فاتحين منظمين ، يريدون إدخالها في رحاب دولتهم وتحويلها إلى الإسلام ، ولو استقر لهم الأمر في فرنسا لاتجه نظرهم إلى ما وراءها ، ومن هنا كانت أهمية بلاط الشهداء في تاريخ النصرانية فقد حالت بينهـا وبيـن الزوال .
خروج زيد بن علي ومقتله رحمه الله:
وقد ذكر أبو جعفر ابن جرير الطبري أن يوسف بن عمر لم يعلم بشيء من أمر خروج زيد حتى كتب له هشام بن عبد الملك انك لغافل وان زيد ابن علي غارز ذنبه بالكوفة يبايع له فألح في طلبه وأعطه الأمان وان لم يقبل فقاتله
فخرج زيد بن علي رحمه الله وكان معه نحوا من أربعين ألفا فنهاه بعض النصحاء عن الخروج وهو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وقال له إن جدك خير منك وقد التفت على بيعته من أهل العراق ثمانون ألف ثم خانوه أحوج ما كان إليهم واني أحذرك من أهل العراق فلم يقبل بل استمر يبايع الناس في الباطل في الكوفة على كتاب الله وسنة رسوله حتى استفحل أمره بها في الباطن وهو يتحول من منزل إلى منزل .
فبعث يوسف بن عمر يتطلبه ويلح في طلبه فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن علي فقالوا له ما قولك يرحمك الله في أبى بكر وعمر فقال غفر الله لهمان ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما وأنا لا أقول فيهما إلا خيرا فرفضوه وانصرفوا عنه ونقضوا بيعته وتركوه فلهذا سموا الرافضة يومئذ ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية وفي مذهبهم حق وهو تعديل الشيخين وباطل وهو اعتقاد تقديم على عليهما وليس علي مقدما عليهم
وخرج زيد ليلة الأربعاء في برد شديد ورفع أصحابه النيران وجعلوا ينادون يا منصور يا منصور فلما طلع الفجر إذا قد اجتمع معه مائتان وثمانية عشر رجلا فجعل زيد يقول سبحان الله اين الناس فقيل هم في المسجد محصورون
والتقى بجيش يوسف بن عمر و اقتتلوا قتالاً شديداً فلما كان جنح الليل رمى زيد بسهم فأصاب جانب جهته اليسرى فوصل إلى دماغه وادخل زيد في دار في سكة البريد وجيء بطبيب فانتزع ذلك السهم من جبهته فما عدا أن انتزعه حتى مات في ساعته رحمه الله
عدد من الوقائع الهامة في عهد هشام منها : أسر نصر بن سيار والي خراسان ملك الترك كورصال وهو لا يعرفه فلما تيقنه وتحققه سأل منه كورصال ان يطلقه على ان يرسل له الف بعير من ابل الترك والف تردون وهو مع ذلك شيخ كبير جدا فشاور نصر من بحضرته من الامراء في ذلك فمنهم من اشار باطلاقه ومنهم من اشار بقتله ثم سأله نصر بن سيار كم غزوت من غزوة فقال ثنتين وسبعين غزوة فقال له نصر ما مثلك يطلق وقد شهدت هذا كله ثم امر به فضربت عنقه وصلبه فلما بلغ ذلك جيشه من قتله باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه وجذوا لحاهم وشعورهم وقطعوا آذانهم وحرقوا خياما كثيرة وقتلوا انعاما كثيرة فلما اصبح امر نصر باحراقه لئلا يأخذوا جثته فكان حريقه اشد عليهم من قتله وانصرفوا خائبين صاغرين خاسرين
ومن تلك الأحداث الهامة مقتل خاقان ملك الترك ولما قتل في ولاية اسد بن عبدالله القسري على خراسان تفرق شمل الاتراك وجعل بعضهم يغير على بعض وبعضهم يقتل بعضا حتى كادت ان تخرب بلادهم واشتغلوا عن المسلمين
محاربة هشام رحمه الله لأهل العقائد الفاسدة و المذاهب الضالة :
هو الذي قتل غيلان القدري، ولما أحضر بين يديه قال هشام لغيلان: ويحك يا غيلان! قد أكثر الناس فيك، فنازعنا بأمرك، فإن كان حقا اتبعناك، وإن كان باطلا نزعت عنه، قال: نعم، فدعا هشام ميمون بن مهران ليكلمه، فقال له ميمون: سل؛ فإن أقوى ما تكونون إذا سألتم، قال له: أشاء الله أن يعصى؟ فقال له ميمون: أفعصي كارها! فسكت، فقال هشام: أجبه فلم يجبه، فقال له هشام: لا أقالني الله إن أقلته فقيَّده حينئذ هشام وقتله.
فتنة خدَاش :
في سنة118
غزا معاوية وسليمان ابنا امير المؤمنين هشام بن عبد الملك بلاد الروم وفيها قصد شخص بقال له عمار بن يزيد ثم سمى بخداش الى بلاد خراسان ودعا الناس الى خلافة محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فاستجاب له خلق كثر فلما التفوا عليه دعاهم الى مذهب الخرمية الزنادقة واباح لهم نساء بعضهم بعضا وزعم لهم ان محمد بن علي يقول ذلك وقد كذب عليه فأظهر الله عليه الدولة فأخذ فجئ به الى خالد بن عبد الله القسري امير العراق وخراسان فأمر به فقطعت يده وسل لسانه ثم صلب
المغيرة بن سعيد
وفيها قام والي هشام بن عبد الملك خالد بن عبد القسري بقتل المغيرة بن سعيد وجماعة من أصحابه الذين تابعوه على باطله وكان هذا الرجل ساحرا فاجرا شيعيا خبيثا قال ابن جرير ثنا ابن حميد ثنا جرير عن الاعمش قال سمعت المغيرة بن سعيد يقول لو اراد ان يحيي عادا وثمودا وقرونا بين ذلك لاحياهم قال الاعمش وكان المغيرة هذا يخرج الى المقبرة فيتكلم فيرى مثل الجراد على القبور او نحو هذا من الكلام وذكر ابن جرير له غير ذلك من الاشياء التي تدل على سحره وفجوره ولما بلغ خالدا امره امر باحضاره فجيء به في ستة نفر او سبعة نفر فأمر خالد فأبرز سريره الى المسجد وامر باحضار اطناب القصب والنفط فصب فوقها وأمر المغيرة ان يحتضن طنبا منها فامتنع فضرب حتى احتضن منها طنبا واحدا وصب فوق رأسه النفط ثم اضرم بالنار وكذلك فعل ببقية اصحابه
الجعد بن درهم
هو أول من قال بخلق القرآن، وهو الذي ينسب إليه مروان الجعدي، وهو: مروان الحمار، آخر خلفاء بني أمية.
كان شيخه: الجعد بن درهم، أصله من خراسان، ويقال: إنه من موالي بني مروان، سكن الجعد دمشق، وكانت له بها دار بالقرب من القلاسيين إلى جانب الكنيسة، ذكره ابن عساكر. .
قال ابن عساكر وغيره: وقد أخذ الجعد بدعته عن بيان بن سمعان، وأخذها بيان عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم، زوج ابنته، وأخذها لبيد بن أعصم الساحر الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم عن يهودي باليمن.
وأخذ عن الجعد الجهم بن صفوان الخزري .
وقد أقام ببلخ، وكان يصلي مع مقاتل بن سليمان في مسجده ويتناظران، حتى نفي إلى ترمذ، ثم قتل الجهم بأصبهان، وقيل: بمرو، قتله نائبها مسلم بن أحوز رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيراً.
وأما الجعد فإنه أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن، فتطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة، فلقيه فيها الجهم بن صفوان فتقلد هذا القول عنه.
ثم إن خالد بن عبد الله القسري قتل الجعد يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك أن خالداً خطب الناس فقال في خطبته تلك: أيها الناس ! ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
وقد ذكر هذا غير واحد من الحفاظ منهم: البخاري، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وعبد الله بن أحمد، وذكره ابن عساكر في التاريخ.
وذكر أنه كان يتردد إلى وهب بن منبه، وأنه كان كلما راح إلى وهب يغتسل ويقول: اجمع للعقل، وكان يسأل وهباً عن صفات الله عز وجل.
فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، اقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له نفساً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك، وذكر الصفات من العلم والكلام وغير ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صلب ثم قتل.
عناية هشام بالعلماء و أهل الدين :
كانت سيرة هشام بن عبد الملك رحمه الله في مجملها سيرة حسنة وكان من أشد أمراء بني أمية حرصاً على العلماء و سؤالاً عنهم و عن حوائجهم تعظيماً منه رحمه الله لأهل العلم .. وفيما يلي أمثلة لبعض العلماء الذين كان هشام يهتم بهم وبمسائلهم ويشهد جنائزهم ويصلي عليهم
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لما حج هشام بن عبد الملك دخل
الكعبة فإذا هو بسالم بن عبدالله فقال له : سالم سلني حاجة فقال : إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره فلما خرج سالم خرج هشام في أثره فقال له : الآن قد خرجت من بيت الله فسلني حاجة فقال سالم من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة قال من حوائج الدنيا فقال سالم إني ما سألت الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها .. ولما مات سالم حزن عليه هشام حزناً شديداً وصلى عليه .. قال الطبري حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة، : مات سالم بن عبد الله سنة خمس ومائة في عقب ذي الحجة، فصلى عليه هشام بن عبد الملك بالبقيع، فرأيت القاسم بن محمد بن أبي بكر جالسا عند القبر وقد أقبل هشام ما عليه إلا دراعة، فوقف على القاسم فسلم عليه، فقام إليه القاسم فسأله هشام: كيف أنت يا أبا محمد؟ كيف حالك؟ قال: بخير، قال: إني أحب والله أن يجعلكم بخير. ورأى في الناس كثرة، فضرب عليهم بعث أربعة آلاف؛ فسمي عام الأربعة الآلاف.
الإمام طاووس :توفي طاوس بمكة حاجا وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك ودفن بها رحمه الله تعالى قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق قال قال أبي : مات طاوس بمكة فلم يصلوا عليه حتى بعث هشام ابنه بالحرس
الزهري
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وقد وفد على عبد الملك بدمشق فأكرمه وقضى دينه وفرض له في بيت المال، ثم كان بعد من أصحابه وجلسائه، ثم كان كذلك عند أولاده من بعده، الوليد وسليمان، وكذا عند عمر بن عبد العزيز، وعند يزيد بن عبد الملك، واستقضاه يزيد مع سليمان بن حبيب، ثم كان حظياً عند هشام، وحج معه وجعله معلم أولاده إلى أن توفي قبل هشام بسنة. و قد سأله هشام بن عبد الملك أن يكتب لبنيه شيئاً من حديثه، فأملى على كاتبه أربعمائة حديث ثم خرج على أهل الحديث فحدثهم بها، ثم إن هشاماً قال للزهري: إن ذلك الكتاب ضاع، فقال: لا عليك، فأملى عليهم تلك الأحاديث، فأخرج هشام الكتاب الأول فإذا هو لم يغادر حرفاً واحداً، وإنما أراد هشام امتحان حفظه.
وقال أبو المليح: كان هشام هو الذي أكره الزهري على كتابة الحديث، فكان الناس يكتبون بعد ذلك.
وقد قضى عنه هشام مرة ثمانين ألف درهم، وفي رواية: سبعة عشرة ألفاً، وفي رواية: عشرين ألفاً. وقد اتخذه هشام معلماً لأولاده
علي بن عبد الله بن عباس
وذكر المبرد انه دخل على هشام بن عبد الملك ومع ابناه السفاح والمنصور وهما صغيران فأكرمه هشام وادنى مجلسه واطلق له مائة وثلاثين الفا وجعل علي بن عبد الله يوصيه بابنيه خيرا ويقول انهما سيليان الامر فجعل هشام يتعجب من سلامة باطنه وينسبه في ذلك الى الحمق فوقع الامر كما قالوا
إنجازاته :
في عهده صار للدولة الأموية إضافة للعاصمة الدائمة ومقر الخلافة دمشق ، وعاصمة صيفية وهي مدينة الرصافة على نهر الفرات بسوريا تسمى رصافة هشام عرفت بأنها جنات وبساتين مصغرة عن بساتين دمشق ، أهتم بتنظيم الدواوين، وعمل على رعاية العلم والثقافة، وترجمت في عهده الكثير من المؤلفات. عمل على اصلاح الزراعة فجفف المستنقعات وزاد مساحة الأراضي المزروعة على ضفاف الأنهار وفي أرجاء الدولة. واهتم بالتوسعات، وحقق العديد من الانتصارات على الروم وفي جنوبي بحر الخزر. تميز عهده بسيادة الأمان في بلاد الشام وأرجاء البلاد الإسلامية. قام بتعريب الدواوين وإنهاء العمل باللغة البيزنطية كلغة دولة والعمل باللغة العربية.
شجع العلماء، وأهتم بالبناء وأشتهر عهده بنظام العمارة الأموي، وأرسى الأمن في أرجاء الدولة، وفتح العديد من البلدان وأرسل الرسل ونشر الإسلام في بلاد ما وراء النهر والهند والسند وغيرها من البلدان، وعمل على تطوير الزراعة ونظام الري، وأهتم بالترجمة وساند العلماء والفقهاء وجلب المفكرين والعلماء إلى دمشق ، وأنشأ المكتبات والمطابع ودور العلم وكانت دمشق في عهده منارة للعلم والحضارة .
...
يتبع