الموضوع: مرماوي
عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /01-02-2012   #13

 
حكيم وثقة الملتقى

الصورة الرمزية مرماوي من نصيف

 

مرماوي من نصيف غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 537
 تاريخ التسجيل : Oct 2009
 المشاركات : 1,072
 النقاط : مرماوي من نصيف is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 286
 اوسمة :

الألفية الأولى

مزاجي
رايق
افتراضي مرابع الصبا... حنين لا ينقطع ونار لاتنطفئ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
مرابع الصبا... حِجر الوالد الحبيب وحضن الأم الدافئ، وأثار أقدامي وأخوتي أيام كنا نلعب في ظهيرة حارة، في يوم قائض، أو ظهيرة طرزها نور شمس أطلت من بين غيوم شتاء مطير، لم ندع شبرًا من أرضنا إلا وعانقته بطون إقدام عشقت اللعب بالطين والركض حول الدار وبين الزرع حتى صارت من وطء أقدامنا خطوطًا تشبه الطرق المعبدة.
إيه مرابع الصبا... ضحكاتنا... بكاؤنا... دموعنا، أنا وأخوتي، وأبناء العمومة وأبناء الجيران.
أقلب عيوني في دنيا تغير كل شيء فيها، كل ما فيها ليس له ماضٍ في ذاكرتي، أين تلك الصباحات الجميلة؟ ما أجمل النوم على سريري الحديدي في ركن الدار أستظل به من نور شمس مَطْلَع يوم صيفي؟ ما أجمل الهواء يلامس وجهي، وا أسفاه على كل لحظة نوم حالت دون التمتع بمنظر شروق شمس على مرابع الصبا.
أقلب ناظري في كل صباح جديد، لا يشبه شيء منها صباح يوم في مرابع الصبا. أتنسم الهواء كأنه ليس كذاك الهواء، هل تغير الهواء؟ هل تبدلت نسماته؟ يا الله، ما أشوقني إلى مرابع الصبا.
كأس حليب وخبز تنور طين تفوح رائحته عِطرًا حفر مكانًا في الذاكرة، ما أطيب ذلك الفطور!
لازال صوت العصافير في أذني كأني أسمعه الساعة، أين ذهبت عصافير مرابع الصبا، أين تلك الطيور الجميلة، الحمام... الزرازير... البلابل... القطا، لطالما تغنى الشعراء بسرب القطا، ولطالما نادوه لعله يحمل أشواقهم، أو يعيرهم جناحًا يطيرون به إلى دار الحبيب، لكنني لست أناديه لذلك حسب، بل أنا أشتاق لتلك الأسراب التي كانت تمر بمرابع الصبا، وتبيت بمرابع الصبا، وتعيش في مرابع الصبا، لطالما أدهشني جمالها وشدني صوتها الشجي، لكنني لم أكن أعلم أنني سأشتاق لها كل هذا الشوق، فيا سرب القطا لست أبتغي جناحًا أطير به، إنني أبتغي سربًا يذكرني بجنة في الدنيا اسمها مرابع الصبا.
في مرابع الصبا كل شيء جميل، في مرابع الصبا كل شيء حلو، لم يكن كذلك في الصبا، لكنه اليوم كذلك، وأكثر من ذلك، فليس كل جميل تشتاق له، لكنني أشتاق وأبكي على كل شيء عرفته في مرابع الصبا، أبكي والدًا حنونًا فرقت بيني وبينه المنايا، وأمًّا باعدت بيني وبينها المسافات، أبكي إخوة ما أشوقني إليهم، أبكي الدار التي جمعتنا ولم تبخل علينا بدفئها، أبكي برد الشتاء، أبكي حرَّ الصيف، أبكي الماء والطين والعصافير والحمام، أبكي الزرع الذي أرهقتنا مُداراته وحصاده في الصبا، وسئمناه لشدَّة ما كان يتعبنا ويصرفنا عن اللعب، لكنني اليوم أبكي على ذلك التعب، وأحنُّ لذاك التعب. كأنه الراحة التي توصف لمن به داءٌ عضال. أبكي كل شيء له من الذاكرة نصيب. أبكي كل صوت سمعته في مرابع الصبا، أبكي هدير الحمام، ورغاء البقر، وثغاء خرفاننا الجميلة، أبكي ورد الجوري وورد الرمان، أبكي العشب والشوك والشجر. أبكي كل مخلوق عرفته في مرابع الصبا، أبكي بقرات وغنيمات وكلبًا يحرسهن بلا كلل، هل يشتاق إنسان لنمل أو دبور أو إلى أي حشرة؟ أنا مشتاق لكل شيء من تلك المخلوقات لكن فقط لذلك الذي كان يعيش في مرابع الصبا.
إيه مرابع الصبا، مدرستي وكتبي وأقلامي، وشهادة التفوق في آخر العام، وجكليت (سكاكر) أمي يوم نجاحي، أمي أيتها الحنون، ليتني أشبع من حنانك، ليتني أشبع من برك، ليتني أحظى بقدميك أقبلهما حتى أرتوي.
إيه مرابع الصبا، هل يأتي يوم أقلب وجهي على ترابك الجميل، هل يرزقني الله تعالى مبيتًا فيك ثم صباحًا كتلك الصباحات التي عشتها فيك في الصبا، لماذا لا يذهب الناس إلى مرابع صباهم، ألا يشتاقون لها؟ ألأنهم وجدوا أجمل منها؟ وأي شيء في هذه الدنيا أجمل من مرابع الصبا؟ كيف يكون أجمل من مرابع الصبا وهو ليس مرابع الصبا. لو أنهم حرموا منها هل تراهم يحنون لها كما أحن لمرابع صباي، لا حرمهم الله منها.
نعم، لقد كنت فيما مضى بعيدًا عن مرابع الصبا ورغم أنني لا أزورها إلا في فترات متباعدة لكنني لم أكن أشتاق لها كما أشتاق لها اليوم، لعله الشعور بالحرمان، فلم أكن يومها أشعر بأن هناك ما يحول بيني وبينها، أو يحرمني منها، فلما حال حائل بيننا تفجر الشوق واضطرمت ناره، فما أغضبني اليوم على حالي بالأمس يوم كان لا يمنعني من وصلها مانع، ولم أروي ظمئي منها.
فيا رب ردني إلى مرابع الصبا حتى أرتوي منها.
واجمعني بمن أحب قبل أن تقبضني إليك. يا أرحم الراحمين.


مشتاق إلى مرابع صباه







توقيع »
  رد مع اقتباس