الفصل الثاني: صَوْتُ المَاء
استيقظ محمد على رعشة خفيفة في أطراف أصابعه،
كانت النار قد خمدت، والليل ملبّد بسكون غريب،
كأنّ الجزيرة احتبست أنفاسها.
مدّ بصره نحو النهر، فبدا له كأنه مرآة سوداء تتلألأ بنور القمر،
وفي عمقها شيء يتحرك، ليس سمكة، ولا طيف ريح.
عبدالله كان جالسًا عند الحافة،
شاردًا كمن يسمع نداءً لا يسمعه سواه.
قال بصوت خافت:
ـ محمد… أكو أحد يناديني من جوّه النهر.
اقترب محمد وهو يحاول أن يضحك:
ـ بعدك تصدگ حچي العجائز؟ يمكن صوت الماي لما يضرب الصخور.
لكن عبدالله لم يرد،
كان وجهه شاحبًا، وعيونه مثبتة على نقطة واحدة في عمق الماء.
وفجأة…
ارتفع صوت كأنه همس امرأة تبكي،
جاء من النهر، واضحًا مثل الحقيقة،
ثم تبعه دوّي خفيف كوقع حجر سقط في قاع بعيد.
تراجع محمد خطوتين، وقال بصوت جاف:
ـ قوم عبدالله، نرجع للبيت، الليل مو أمان اليوم.
لكن عبدالله ظلّ واقفًا،
كأن الأرض أمسكت قدميه،
ثم تمتم:
ـ هاي مو أول مرة أسمعها… كل ما أجي لهنا، تناديني بنفس الصوت.
أمسك محمد بذراعه بقوة:
ـ تگدر تسمع بكيفك، بس لا ترد. النهر ما يحب اللي يجاوبه.
في صباح اليوم التالي، عاد الاثنان للصيد،
لكن عبدالله تغيّر؛
صار قليل الكلام، يحدّق في الموج أكثر من الشباك،
وفي عينيه شيء يشبه الانتظار.
وبينما كانا يسحبان الشبكة،
ظهرت فيها قطعة من الخشب القديم، محفور عليها نقش غريب:
رمز يشبه الهلال، يحيط به ثلاث نقاط.
تفحّصها محمد وقال:
ـ ما أشبهه بالنقش اللي على الضريح القديم جوّه النخيل، مو؟
ردّ عبدالله وهو يلمسها:
ـ نفس النقش… بس هاي طالعة من الماي، مو من اليابسة.
منذ تلك اللحظة، بدأ كل شيء يتغيّر في الجزيرة.
الأسماك اختفت من النهر،
والناس صاروا يتحدثون عن ظلٍّ يظهر عند الغروب، يمرّ على الشاطئ ويختفي.
أما عبدالله… فصار يغيب عن البيت ليلتين أو ثلاث،
يقال إنه يبيت عند النهر، يسمع الصوت، ويعود مع الفجر.
وذات يوم، لم يعد.
عندما خرج محمد يبحث عنه،
لم يجد سوى شباكه،
عالقةً بين الصخور،
وفيها نفس الرمز المنقوش،
لكن هذه المرة، كان محفورًا على قطعة عظمٍ بشري.
⸻
هل ترغب سيدي اللواء أن أُكمل بالفصل الثالث — حيث تبدأ رحلة محمد في كشف سر الجزيرة؟
يمكن أن أجعل هذا الفصل يأخذ طابعًا غامضًا بطوليًا يربط بين النهر، والأسطورة، والوفاء بين الصديقين