أبو عبدالله البسام
15-10-2011, 06:30 PM
لو كَانَ لكَ عُمُران فِي الدُّنيا ؟! مَا كنتَ فاعلاً بهِمَا ؟! (فقهُ الأمَاني)
أبو همام السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ هذه الدنيا مليئةٌ بالمحاسنِ والمفاسد, من أهلِها منْ يُحسنُ فيها ومنهم من يُسيء, والأعمال مكتوبةٌ؛ والآمالُ محدودة, والآجال مقدورة, (وكلٌ مُيَسَّرٌ لمَِا خُلقَ له), والعبدُ إما ماضٍ في طاعةٍ مداومٌ عليها, وإما كابدٍ في معصية مبتلٍ بها.
· إنَّ الأمانيَ جبلَّة جبلها الله في خلقِهِ, ومبدؤها ليسَ بعيبٍ كما هو معلوم, إنما محورها أو نِتاجها هو الذي يحدِّد عَيْـبها من حَسنِها, وقد جاءتِ الشريعةُ الغرَّاء بذكرِ فضلها في حالات, وجاءتْ بذمِّها في حالاتٍ أخرى.
فأما ما جاءَ في فضلها فهو في "كلُّ أمنيةٍ تُمْنى لفعلِ الخَيْر", والأحاديثُ الواردة في ذلك كثيرة جدًا؛ منها قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ ذَهَبًا، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجِّه «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْىَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» وقال صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ». ولما قال عندَ قبر بعضِ أصحابِهِ (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قال النووي رحمه الله: قال العلماء فيهِ جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح اهـ.
* وأما ما جاءَ في ذمِّها فهو في "كل ما فيه اعتراضٌ على القدرِ وفي تحصيلِ المستحيل وما يكون داعية إلى الحسدِ".
ودليلُ الأول: حديث تمني الموتِ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لضرِّ نزلَ به إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». قال الإمام ابن حجر: وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص؛ فإنَّ تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه اهـ.
(فائدةٌ): صحَّت الأحاديثِ باستعمالِ النبي صلى الله عليه وسلم (لو, ولولا)؛ منها قوله (لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ) وقوله (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) فكيفَ الجمعُ بينها وبين قولِ النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ؟
إليكَ إجابةُ شيخُ المحققينالطبري إذ يقولُ: طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث: الدالة على الجواز: أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع؛ فالمعنى: لا تقل لشيء لم يقع (لو أني فعلت كذا لوقع) قاضيًا بتحتم ذلك؛ غير مُضْمِرٍ في نفسك "شرطَ مشيئة الله تعالى", وما ورد من قول (لو) محمولٌ على ما إذا كان قائله موقناً بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا "بمشيئة الله وإرادته" اهـ.
* قال الإمام ابن حجر: وأما من قاله تأسفا على "ما فات من طاعة الله" أو "ما هو متعذر عليه منه" ونحو هذا فلا بأس به؛ وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ.
ودليلُ الثَّاني: تمني الكفار الشفاعة, قال تعالى {أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى} قال ابن كثيرٍ: أيْ؛ ليس كل من تمنى خيرا حصل له اه وذلك فيمنْ يتمنَّى من الكفارِ الشفاعة فإنها مستحيلة لهم كقولهم {فَلَوْ أنلَنَا كَرة فَنَكـونَ مِن المُؤمِنين}
ومنهُ قال ابن الرومي شهر رمضان:
فليتَ الليل فيه كان شهرًا *** ومرَّ نهارُهُ مرَّ السحاب
ودليلُ الثَّالثِ: تمني النساء ما للرجال, قال تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} إذْ حاصل ما في الآية الزجر عن الحسد كما هو مرادُ البخاري من إيراده الآية تحت ترجمتِهِ (ما يكره من التمني).
- وقد يكسبُ المرءُ في هذا التمنِّي الإثمَ, قال الإمام ابن حجر: النهي عن التمني مخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا يحمل قول الشافعي: لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا ان يكون كذا اه ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم اهـ.
أبو همام السعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ هذه الدنيا مليئةٌ بالمحاسنِ والمفاسد, من أهلِها منْ يُحسنُ فيها ومنهم من يُسيء, والأعمال مكتوبةٌ؛ والآمالُ محدودة, والآجال مقدورة, (وكلٌ مُيَسَّرٌ لمَِا خُلقَ له), والعبدُ إما ماضٍ في طاعةٍ مداومٌ عليها, وإما كابدٍ في معصية مبتلٍ بها.
· إنَّ الأمانيَ جبلَّة جبلها الله في خلقِهِ, ومبدؤها ليسَ بعيبٍ كما هو معلوم, إنما محورها أو نِتاجها هو الذي يحدِّد عَيْـبها من حَسنِها, وقد جاءتِ الشريعةُ الغرَّاء بذكرِ فضلها في حالات, وجاءتْ بذمِّها في حالاتٍ أخرى.
فأما ما جاءَ في فضلها فهو في "كلُّ أمنيةٍ تُمْنى لفعلِ الخَيْر", والأحاديثُ الواردة في ذلك كثيرة جدًا؛ منها قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ ذَهَبًا، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ، لَيْسَ شَيءٌ أُرْصِدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجِّه «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْىَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» وقال صلى الله عليه وسلم «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ». ولما قال عندَ قبر بعضِ أصحابِهِ (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا) قال النووي رحمه الله: قال العلماء فيهِ جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح اهـ.
* وأما ما جاءَ في ذمِّها فهو في "كل ما فيه اعتراضٌ على القدرِ وفي تحصيلِ المستحيل وما يكون داعية إلى الحسدِ".
ودليلُ الأول: حديث تمني الموتِ, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لضرِّ نزلَ به إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». قال الإمام ابن حجر: وحكمة النهي عن ذلك أن في طلب الموت قبل حلوله نوع اعتراض ومراغمة للقدر وإن كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص؛ فإنَّ تمني الموت لا يؤثر في زيادتها ولا نقصها، ولكنه أمر قد غيب عنه اهـ.
(فائدةٌ): صحَّت الأحاديثِ باستعمالِ النبي صلى الله عليه وسلم (لو, ولولا)؛ منها قوله (لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ) وقوله (لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ) فكيفَ الجمعُ بينها وبين قولِ النبي صلى الله عليه وسلم (وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ؟
إليكَ إجابةُ شيخُ المحققينالطبري إذ يقولُ: طريق الجمع بين هذا النهي وبين ما ورد من الأحاديث: الدالة على الجواز: أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع؛ فالمعنى: لا تقل لشيء لم يقع (لو أني فعلت كذا لوقع) قاضيًا بتحتم ذلك؛ غير مُضْمِرٍ في نفسك "شرطَ مشيئة الله تعالى", وما ورد من قول (لو) محمولٌ على ما إذا كان قائله موقناً بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا "بمشيئة الله وإرادته" اهـ.
* قال الإمام ابن حجر: وأما من قاله تأسفا على "ما فات من طاعة الله" أو "ما هو متعذر عليه منه" ونحو هذا فلا بأس به؛ وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث اهـ.
ودليلُ الثَّاني: تمني الكفار الشفاعة, قال تعالى {أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّى} قال ابن كثيرٍ: أيْ؛ ليس كل من تمنى خيرا حصل له اه وذلك فيمنْ يتمنَّى من الكفارِ الشفاعة فإنها مستحيلة لهم كقولهم {فَلَوْ أنلَنَا كَرة فَنَكـونَ مِن المُؤمِنين}
ومنهُ قال ابن الرومي شهر رمضان:
فليتَ الليل فيه كان شهرًا *** ومرَّ نهارُهُ مرَّ السحاب
ودليلُ الثَّالثِ: تمني النساء ما للرجال, قال تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} إذْ حاصل ما في الآية الزجر عن الحسد كما هو مرادُ البخاري من إيراده الآية تحت ترجمتِهِ (ما يكره من التمني).
- وقد يكسبُ المرءُ في هذا التمنِّي الإثمَ, قال الإمام ابن حجر: النهي عن التمني مخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض وعلى هذا يحمل قول الشافعي: لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا ان يكون كذا اه ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم اهـ.